"حفلة غياب المدير".. سيناريو مشاهَد في الجهات الحكومية التي تفتقر إلى الثقافة التنظيمية المترسخة في موظفي الجهاز الحكومي من رأس الهرم إلى أصغر موظف في المنظمة. هذا السيناريو يتجسد في مجرد غياب المدير حسيًّا أو معنويًّا حتى تعم الفوضى في المكان. الجانب الحسي هنا يقصد به غياب المدير جسدًا وروحًا، أما الغياب المعنوي فالمقصود به الوجود جسديًّا، ولكن بدون أي تأثير يُذكر.. وفي كلا الغيابين تضييع لمصالح الناس، وتعطيل للتنمية.
يا تُرى، أين هو الخلل؟ في المديرين ومسيري الأمور في الأجهزة الحكومية أم في الموظفين؟ في الدرجة الأولى أعتقد أن المديرين يتحملون جزءًا كبيرًا من المسؤولية؛ كونهم غرسوا ثقافة الرقيب. هذا النوع من المديرين يعتمد في قيادته للإدارة التي هو فيها على المنصب فقط؛ فيتبعه الموظفون؛ لأنهم مضطرون لذلك، ولا يوجد أي ولاء لديهم بسبب الأسلوب القيادي الذي ينهجه. هذا المدير يعتمد غالبًا على السيطرة، وعدم المشاركة والإحساس بالأهمية في مكان العمل.
حسب المستويات الخمسة للقيادة، يرى ماكسويل أن هذا النوع من القادة المعتمد على المنصب يُعتبر المستوى الأدنى للقيادة. في الجهة الأخرى جزء لا يستهان به أيضًا، يتحمله الموظف الذي استسلم للوضع، وغابت عنه الثقافة التنظيمية والأخلاق المهنية التي تحتم عليه المبادرة واستشعار المسؤولية والأمانة المهنية على عدم التفريط وتأدية المهام، سواء في وجود المدير أو في غيابه.
في الحقيقة، الثقافة التنظيمية تكاد تكون حجر الزاوية في هذا الموضوع؛ فالمنظمات ذات الثقافة التنظيمية العالية يستشعر الجميع المسؤولية فيها، ولا يمكن أن يكون هناك أي تأثير يُذكر لغياب المدير. الثقافة التنظيمية عادة يتم انسيابها من الأعلى إلى الأسفل، من أعلى الهرم إلى أصغر موظف في المنظمة.. ولبنائها تحتاج الكثير من الجهد.
في الحقيقة، الثقافة التنظيمية تُبنى أولاً بوضع القوانين والأنظمة، ومن ثم وضع العقوبات على تجاوزها. وعندما تترسخ هذه الأنظمة لدى الموظف، وتصبح أحد مكونات نسيجه الثقافي، يتم الاستغناء عن العقوبات؛ لأنه لم يعد هناك حاجة لها.
مجمل القول: في ظل عدم وجود الثقافة التنظيمية فإن غياب المدير بالنسبة للموظفين يُعتبر حفلة.