تحدث إمام وخطيب المسجد النبوي فضيلة الشيخ صلاح بن محمد البدير في خطبة الجمعة اليوم عن التهذب بالألفاظ وحسن الكلام، موصيًا المسلمين بتقوى الله عز وجل سرًا وجهدًا.
وقال: "المحادثة مع الناس صلة لا محيد عنها فيها تحصيل للعلوم وتنوير للفهوم وتلقيح للعقول وترويح للقلوب وتسريح للهموم، وحسن المحادثة وجمال الكلام عند المخاطبة وحلاوة المنطق عند المقابلة والمواجهة والمجالسة من كرائم الخصال وأشهرها منقبة وأرفعها درجة، ومن وشّى مقاله وزوّق كلامه وهذّب لسانه وجمّل بيانه وزين خطابه تقديرًا وتوقيرًا للمخاطبين انقادت له القلوب بالمحبة وسرت إليه النفوس بالوداد، وقد جبل الله القلوب على حب من خاطبها بالألفاظ المستعذبة الرائق سماعها، كما جبلها على بُغض فاسد اللسان وعلى مقت الصّخّاب الحديد السليط الشتام، وعلى كره الفاحش البذي الذي لا يبالي بما نطق من الكلام.
وأضاف: "لا تخاطبوا الناس إلا بأحسن الألفاظ وأجملها وألطفها وأبعدها عن اللفظ الخسيس المفحش والجافي الغليظ، مما فيه ضعة أو نقيصة أو حط أو زراية بالمخاطبين، أو مما فيه تهكم أو تحقير أو تصغير أو تقليل للسامعين مستشهدًا بقوله تعالى: {وَقُولُوا لِلنَّاسِ حُسْنًا}، وقال ابن كثير رحمه الله: "أي كلّموهم طيبًا، ولينوا لهم جانبًا".
وأشار فضيلته إلى أن أولى من تتأكد العناية بالألفاظ عند محادثته ومخاطبته الوالدان، مبينًا أنه لا يخاطَب الوالدان إلا بالمعاني المزوّقة المحسّنة بحلل الألفاظ الشريفة لعلوّ مكانتهما ورفعة قدرهما وعظم حقهما عند الله عز وجل؛ لقوله تعالى: {فَلاَ تَقُل لَّھُمَا أُفٍّ وَلاَ تَنْھَرْھُمَا وَقُل لَّھُمَا قَوْلًا کَرِيْمًا}، فنهى الله عز وجل عن مخاطبتهما بصوت الأفّاف المتضجر المتكرّه المتثاقل، وأمر بالقول الجميل الذي يقتضيه حسن الأدب ويستدعيه حفظ الحق والمنزلة، ولا يدعوهما باسميهما ولا يرفع صوته بلا فائدة عند مقامهما؛ لأن ذلك من الجفاء وسوء الأدب.
وحث الآباء والأمهات على الرأفة والرحمة بالولد؛ فهو ثمرة القلب وريحانة الفؤاد والترفق بالخطاب معه والتحنن له وإظهار لسان التشجيع والتحضيض والاستمالة والإقناع، محذرًا بوصف الولد بالبلادة والبلاهة والغفلة والخرق، فبذلك يكون قد وقع بالتعنيف اللفظي المنافي لكمال التربية، وإن لم تصل تلك الألفاظ إلى حد التحريم، مبينًا أنه لا يحق للوالد أن يكون شتامًا ولعانًا لأهله وأولاده، ومن اعتاد شتم أهله وأولاده بالكلمات المحرمة شرعًا فقد سقطة عدالته ورُدّت شهادته عند بعض الفقهاء.
وفي ختام خطبته، حث إمام وخطيب المسجد النبوي بالمدينة المنورة المسلمين على عدم مخاطبة المقصرين بخطاب التنفير والتقنيط والتيئيس؛ فالنصح إذا اكتسى لفظًا حسنًا سهلًا صار في القلب أحلى وللصدر أملًا، فعن جندب بن عبدالله -رضي الله عنه- قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "قال رجل: "والله لا يغفر الله لفلان، فقال الله: من ذا الذي يتتالى عليَّ أن لا أغفر لفلان، إني قد غفرت له، وأحبطت عملك".