في سياق مشاركاتها ضمن اجتماعات قمم العشرين، اعتادت المملكة على أن تحدد أولوياتها وأهدافها بكل دقة، بحيث تضع مصلحة الشعب السعودي في المقدمة، مع الاهتمام بمصالح شعوب دول العالم.
وخلال الدورة المقامة في مدينة بالي الإندونيسية، تركز المملكة على عدد من الأولويات المهمة مع بقية الأعضاء، تحددها الحاجة الفعلية لشعوب العالم.
وتوجه المملكة، ومعها الدولة المستضيفة وبقية الأعضاء بوصلة الاهتمام ناحية الجانب الصحي، بعدما تأكد لها أهمية هذا الجانب في تعزيز صحة الإنسان، من خلال تأمين العلاجات والأدوية اللازمة له.
ومن هنا، يتركز اهتمام اجتماعات القمة على تحقيق الأمن الدوائي، وهذا يعيد يذكر بما أعلنت عنه المملكة في صيف العام الجاري (2022) من أنها ستستثمر 3.4 مليار دولار في قطاع اللقاحات والأدوية الطبية الحيوية.
ولعل المحرك الرئيس لهذه الاستثمارات الضخمة، ما شهده العالم من جائحة كورونا، التي أربكت حسابات الدول والمنظمات الدولية، وأزهقت الأرواح، قبل أن يتوصل العالم إلى لقاحات للمرض.
المسار الصحي
وفي المسار الصحي، تبدي المملكة التزامها بالإسهام عالميًا بمقاومة مضادات الميكروبات، ومن هنا، ستعمل بشكل جيد مع الرئاسة الإندونيسية في القمة من أجل إصدار موجز السياسات، وستواصل العمل على بناء قدرة النظام الصحي على الصمود والاستجابة على جميع المستويات، في إشارة إلى أي أزمات صحية طارئة، كما حدث في جائحة كورونا.
وتشدد المملكة على أهمية التعاون في تنفيذ استراتيجيات صحية تصب في الإنسان، في دلالة على أهمية دعم برنامج الرئاسة الإندونيسية، الذي جاء تحت شعار "نتعافى معاً، نتعافى بشكل أقوى"، وكذلك أهمية دعم الأهداف الرئيسة التي تسعى للمساهمة في تحقيقها، ومن أهمها الرعاية الصحية الشاملة، كما تتطلع إلى مخرجات فريق العمل المشترك بين وزارات المالية والصحة لمجموعة العشرين، من خلال الدور التنسيقي المركزي لمنظمة الصحة العالمية.
تأمين اللقاحات
وبخصوص مسار تأمين اللقاحات، رأت المملكة ضرورة أن يتم تنفيذ الاستثمارات المستهدفة على مرحلتين؛ تستهدف المرحلة الأولى تقنيات تصنيع لقاحات الأطفال الأساسية والأنسولين، بينما تهدف المرحلة الثانية إلى توطين صناعة الأدوية المناعية والسرطانية، في تلمس حقيقي وواقعي لاحتياجات الإنسان السعودي، وهو ما يعكس احتياجات شعوب المنطقة أيضاً.
وقد رأت المملكة أن المشاريع الصحية التي تعتزم تنفيذها، في حاجة إلى استدامة مالية، تضمن استمراريتها، حيث قررت العمل على تعزيز تلك الاستدامة للإنفاق على المشروعات الصحية بشكل جيد يضمن تحقيق الأهداف، وتم رصد مبالغ مالية للمشروعات الصحية الحالية في المملكة، بقيمة استثمارية تتجاوز 10 مليارات ريال، فضلاً عن مشروعات "استراتيجية التخصيص" لوزارة الصحة، البالغ عددها 112 مشروعاً خلال السنوات الخمس المقبلة، والتي تتجاوز قيمتها الاستثمارية 48 مليار ريال.
الابتكار والإبداع
وتجاوزت الجهود حدود إقامة المشاريع الصحية والاستدامة المالية الخاصة بها، حيث تطلب الأمر أن يحفل المشهد العام لتلك المشاريع على جانب الابتكار والإبداع في تلك المشاريع، وهو ما سينعكس إيجابياً على تطوير قطاع البحث والتطوير والابتكار في المجال الصحي، اعتماداً على أكثر من 900 بحث علمي من علماء وباحثين سعوديين، ما يجعل المملكة الأولى عربياً، والـ12 ضمن مجموعة العشرين في أبحاث فيروس كورونا، فضلاً عن برنامج الجينوم السعودي للحد من الأمراض الوراثية، والذي نجح في توثيق 7500 متغير مسبب للأمراض الوراثية والجينية.
التجربة السعودية
وستكون قمة بالي مناسبة جيدة، تستطيع خلالها المملكة عرض تجربتها في بناء قطاع صحي نموذجي، وكيف أفسحت المجال أمام القطاع الخاص، للمساهمة في تقديم الخدمات الصحية المتنوعة، ومشتركة القطاع الحكومي في هذا الملف الخدمي.
وتعتبر المملكة مساهمة القطاع الصحي الخاص في الخدمات الصحية، أحد أهم الإنجازات التي تشير إلى التعاون بين الطرفين، ومثال على هذا التعاون، توقيع عقد تقديم خدمات الغسيل الكلوي مع القطاع الخاص لـ8000 مريض لمدة 5 سنوات، واعتماد استراتيجية التخصيص لوزارة الصحة لسنوات الخمس المقبلة، بقيمة استثمارية تتجاوز 48 مليار ريال، وطرح عدد من المشروعات للشراكة بين القطاعين العام والخاص.
وفي الوقت نفسه، يجري مختبر المركز الملك عبدالله العالمي للأبحاث الطبية أبحاثاً لتطوير اللقاحات، والاستجابات المناعية للعدوى واللقاحات، وقام فريق متخصص في المركز بتقييم الاستجابات المناعية للقاحين (COVID-19) و (MERS) في الفئران والجمال والبشر، وأعدوا البنية التحتية والتدريب والسياسات؛ وأجريت تجربة سريرية للمرحلة الأولى للقاح ، (MERS) بالتعاون مع جامعة أكسفورد، وهذه أول تجربة من نوعها في تاريخ السعودية.