القيادة من أكثر العلوم - إذا كان تصنيفنا لها على أنها علم صحيحًا - التي حصلت على اهتمام كبير في نهاية القرن الماضي وبدايات القرن الحالي. وإذا اعتبرت على أنها فن فهي أيضًا تحمل الكثير من الاهتمام الذي لا يخلو من الجدل، خاصة عندما يُمنح هذا اللقب لشخص معين؟ وبين العلم والفن يبرز السؤال: كيف لنا أن نعرف مَن هو القائد ومَن ليس كذلك؟ من ناحية أخرى، إذا اعتبرنا أن القيادة سمات فما هي السمات التي بموجبها نعرف أن هذا الشخص لديه سمات قيادية أم لا؟
في الحقيقة، لست هنا بصدد تعريف القيادة، أو التفريق بين القائد والمدير كما يفعل المنظِّرون، وإنما تعاطينا نحن المجتمع مع هذه المفردة الرنانة، وكيف نعرف على مَن تطلق؟ وما هي الأخطاء التي نرتكبها عند منح هذا اللقب دون قياس؟ وما هي الخطورة عندما يحمل هذا اللقب شخص قد يفتقر إلى أبسط مقومات القائد الفعال؟
لتقليل الحيرة، ولتسهيل الإجابة عن كل التساؤلات السابقة، أرى أن هناك مثالاً حيًّا، قد يجيب عن كل هذه التساؤلات أو معظمها. هذا المثال يعكس الاستخدام الخاطئ للقب قائد. في الحقيقة القصة تعود إلى قبل ثلاثة أعوام تقريبًا عندما جاء التوجيه من وزير التعليم حينها بتغيير اسم مدير ومديرة مدرسة إلى اسم قائد وقائدة مدرسة، وذلك في قرار - في اعتقادي - كان خاطئًا وظالمًا لعلم وفن القيادة؛ والسبب البسيط الذي لا يستدعي متخصصين لاكتشافه هو أن القيادة في أبسط صورها عبارة عن جدارات (معارف، مهارات وسلوك). هذه الجدارات تكاد تكون مفقودة كليًّا أو جزئيًّا في الكثير ممن يتبوءون منصب قائد مدرسة. وبما أن القيادة عبارة عن مزيج من المهارات والمعارف والسلوك فهي بالتالي ليست منصبًا لدى المسؤول يمكن أن يمنحه كما يشاء.
في اعتقادي منح لقب قائد لأي منصب إشرافي، سواء في التعليم أو في غيره، دون قياس فعلي له، يُعتبر جهلاً لمفهوم القيادة؛ وعليه فقد يتوارث هذا الجهل، ويؤدي إلى الجهل المركب، وإلى عدم الاهتمام بهذا العلم.
مجمل القول: بما أن اللقب (قائد مدرسي) قد مُنح وانتهي الأمر، فأرى أن يطبق بشكل صحيح وعلمي؛ وعليه يخضع كل من يشغل منصب قائد مدرسة إلى اختبارات، تقيس المستوى المهاري والمعرفي والسلوكي، وفق جدارات محددة سلفًا. وهذه الآلية معروفة عالميًّا، ولا يجهلها المسؤولون في الوزارة؛ حتى لا يشغل منصب (قائد مدرسة) إلا من تتوافر لديه هذه الجدارات، وبمستوى معين. وإذا لم يتم ذلك فمن الأولى أن يتم العودة إلى اسم "مدير مدرسة".