
وفّر التجمع العالمي للمسلمين في مواسم الحج، مادة ثقافية ثرية للكثير من الرحالة والمستشرقين، مكّنتهم من التعرف على بعض التعاليم الإسلامية والعادات والتقاليد العربية العريقة.
ورصد الرحالة الياباني تاكيشي سوزوكي -الذي اعتنق الإسلام وغيّر اسمه إلى "الحاج محمد صالح"- ملامح من مقاصد العبادات في الإسلام، إضافة إلى رؤيته للعادات العربية الأصيلة التي لمسها عن قرب أثناء رحلاته الثلاث للمشاعر المقدسة حاجًا، والتي كان آخرها عام 1361هـ/ 1943م.
ومنذ اليوم الأول لوصوله مكة المكرمة، دوّن الضيف القادم من أقصى شرق آسيا مشاعر أهالي العاصمة المقدسة عند استقبال الحجاج: "قدم لاستقبالنا صاحب المكان الذي سنقيم به في مكة، وكان يحمل معه ماء زمزم، وفور تسلّمنا التصريح أعطانا الماء، ورحّب بنا وبدا سعيدًا جدًا من أجلنا، لم يكن الوحيد الذي ظهرت على وجهه علامات السعادة، بل كان جميع من حولنا سعداء من أجلنا؛ لأننا مسلمون، والمسلم أخو المسلم، هكذا يرشدنا القرآن، وشعرنا بالسعادة وسط هؤلاء الإخوة، فكلنا مسلمون، وكان هذا هو أسعد وقت في حياتنا، لا توجد بيننا أسرار، التفّ حولنا العديد من الناس، وأخذوا ينادون: يابانيون.. يابانيون.. كما لو كانوا لم يشاهدوا يابانيين من قبل، فأرادوا أن يصافحونا، وامتدّت الأيدي بالسلام، أيادٍ بيضاء، وأيادٍ سمراء، لم تتوقف الأيدي الممتدة إلينا بالمصافحة".
ومن العادات العربية الأصيلة التي تميّز بها العرب ولفتت نظر "سوزوكي"، أدب احترام كبار السن والآباء، وهنا يصف علاقة ابن صاحب الفندق الذي نزل فيه مع أبيه: (.. حين يكون عبدالله برفقة أبيه، لا ينطق بكلمة، ويظل دائمًا يسمع، وهذه هي التقاليد العربية، أو ربما هي تعاليم الدين، فالإسلام حدّد للإنسان كل شيء في الحياة، وكذلك تفاصيل الحياة اليومية، فإذا كان الوالد العجوز في الغرفة يجب أن يظل الابن صامتًا وهادئًا احترامًا لأبيه، ولا يجب أن يتحدث أمام أبيه إلا إذا طُلِبَ منه ذلك، وهذا يعني من وجهة النظر الإسلامية أنهم تعلموا أن يحترم الصغير من هو أكبر منه ويوقره، أما مقاطعة حديث الكبار، فهذا ممنوع تمامًا، هنا يحافظون على هذه التقاليد بدقة".
وبالنسبة للقادمين إلى الأراضي المقدسة من خارج الجزيرة العربية والعالم الإسلامي، فإن الحج ليس أداء واجب ديني فقط، بل هو النافذة الأهم لمعرفة عادات وفنون وقيم هذا المجتمع الذي يفد إليه المسلمون من كل بقاع الأرض.
وفي رحلته للحج عام 1943م تعرف " تاكيشي" على جوانب من عادات الزواج في المجتمع العربي، مشيرًا في مدوناته اليومية إلى أن: "الزوج يوفر الأموال لعروسه، حيث يطلق عليها "المهر" الذي يتم تحديده طبقًا لمستوى عائلة العروس الاجتماعي والاقتصادي"، مضيفًا: "هذه الأموال التي يوفرها العريس، يمكن للعروس أن تعتمد عليها إذا مات زوجها، وهذا محدد طبقًا لشريعة الإسلام، ومن المعروف أن كثيرًا من المسلمين كانوا يذهبون للجهاد، وخلّف هذا كثيرًا من الأرامل، ولهذا فهذه الأموال ضمان للزوجة في حالة وفاة الزوج، فعند الزواج يدفع الرجل المهر، ويكون هناك مهر مؤجل تحصل عليه المرأة إذا ما انفصلا، ويمكنها عندئذ أن تعتمد على هذه الأموال في معيشتها".
وفي الكثير من مواضع الكتاب يكرر "سوزوكي" دهشته وإعجابه بالشخصية القوية لأهل الجزيرة العربية الذين قاوموا صعوبة الظروف الجوية القاسية التي فرضتها طبيعة الصحراء، مستشهدًا بشخصية الملك عبدالعزيز بن عبدالرحمن -رحمه الله- الذي التقاه في حج ذلك العام، حيث يقول: "لا بد أن أكرر هنا ما ذكرته قبلًا، فقد كان التعليم الجاد، والتدريب الصعب، والتجارب التي خاضها هنا وهناك، والخبرة التي اكتسبها، كانت كل هذه الأمور التي شكّلت شخصية الملك عبدالعزيز، وجعلت منه قائد أمة، وموحد بلد كبير كالمملكة العربية السعودية، ومثل هذا الرجل لا بد أن يكون في الوقت نفسه سياسيًا عظيمًا، فقد أفادته الخبرة السياسية التي اكتسبها في صغره، عندما وحد البلاد وأسس المملكة العربية السعودية".