لطالما كانت المملكة أحد أهم اللاعبين الرئيسيين في أسواق الطاقة منذ اكتشاف أول حقل بترول في مدينة الظهران عام 1938، ومنذ ذلك الحين شكلت السعودية سوقاً هاماً للطاقة العالمية، ومصدراً رئيسياً خصباً لإمدادات الطاقة على مستوى العالم.
ومواكبة للتطور، وتفكيراً في مستقبل الطاقة واستدامتها، وتنويع مصادرها، وللبقاء طويلاً على قمة أسواق الطاقة، كانت الرياض مبادرة بإطلاق البرنامج الوطني للطاقة المتجددة، في تطلّع فاعل إلى توطين سوق الطاقة المتجددة في المملكة مع تحقيق أعلى المعايير العالمية، حيث يهدف البرنامج إلى تفعيل المصادر المحلية لإنتاج الطاقة المتجددة.
ودخل هذا البرنامج الوطني مرحلته الرابعة مؤخراً، بإعلان الشركة السعودية لشراء الطاقة (المشتري الرئيس)، طرح خمسة مشروعات جديدة للمنافسة لإنتاج الكهرباء باستخدام الطاقة المتجددة.. وتشمل هذه المشروعات، التي تبلغ طاقتها الإجمالية 3300 ميجاواط، ثلاثة مشروعاتٍ لاستغلال طاقة الرياح، ومشروعان لاستغلال الطاقة الشمسية.
ووفقاً لما نقلته وكالة الأنباء السعودية "واس"، فإن إجمالي طاقة مشروعات الإنتاج من طاقة الرياح في هذه المرحلة يبلغ 1800 ميجاواط، موزعةً على مشروعٍ في ينبع طاقته 700 ميجاواط، ومشروع في الغاط طاقته 600 ميجاواط، ومشروع في وعد الشمال طاقته 500 ميجاواط، في حين تبلغ طاقة مشروعات الإنتاج من الطاقة الشمسية 1500 ميجاواط، موزعة على مشروعٍ في الحناكية طاقته 1100 ميجاواط، ومشروع في طبرجل طاقته 400 ميجاواط.
لا تهدف المملكة من هذا التوجه الحميد نحو الطاقة المتجددة إلى لعب دور بارز في سوق الطاقة فقط، ولكنها تنظر إلى أهداف بعيدة ترتبط بكوكبنا، والحفاظ عليه من التأثيرات البيئية والمناخية، ومستقبل الطاقة واستدامتها.
ولعل ما نوه إليه ولي العهد في شهر مارس عام 2021 أثناء إعلانه عزمه إطلاق مبادرتي السعودية الخضراء والشرق الأوسط الأخضر، ضرب على ذلك الوتر الحساس، وأدرك أهمية وضع مستهدفات للاستدامة، ومواجهة التحديات البيئية والمناخية، وذلك حينما قال: "إن العمل لمكافحة التغير المناخي يعزز القدرة التنافسية، ويطلق الملايين من الوظائف. ويطالب اليوم الجيل الصاعد في المملكة وفي العالم بمستقبل أنظف وأكثر استدامة، ونحن مدينون لهم بتقديم ذلك".
فقد وضعت رؤية 2030 الاستدامة ضمن أهم جهود رؤية السعودية 2030 منذ إطلاقها، وتدفع رؤية 2030 بالالتزام الجماعي نحو مواجهة تحديات الطاقة والمناخ الحالية والمستقبلية بصورة ابتكارية وروح من المسؤولية، ففي خلال رئاسة المملكة لمجموعة العشرين في عام 2020م، أقر قادة الدول نهج الاقتصاد الدائري للكربون (CCE)، وهو مفهوم يهدف إلى الحد من الانبعاثات الكربونية، والتوسّع في التقنيات المستعملة لاحتجاز الكربون واستخدامه وتخزينه، سيتمكن المجتمع الدّولي من مواصلة النّمو وتحقيق الاستدامة ومواءمة متطلباتها بين كلٍّ من الطاقة والمناخ.
كما تستهدف السعودية من خلال طرحها مشروعات الطاقة المتجددة، لإيجاد مزيج الطاقة الأمثل، وهو أن يتم إنتاج الكهرباء في المملكة باستخدام الطاقة المتجددة والغاز بنسبة 50% لكلٍ منهما، بحلول عام 2030م، وبالتالي تتم إزاحة ما يُقارب مليون برميل بترول مكافئ تُستهلك يومياً في إنتاج الكهرباء وفي غيرها من القطاعات، كما تستهدف الرياض الوصول إلى الحياد الصفري بحلول عام 2060م، وسيكون لهذا التوجّه – بالطبع - أثره الواضح في جهود المملكة لحماية البيئة، ومكافحة التغيُّر المناخي.
ومن الواضح جلياً حجم المجهودات والمشاريع التي تعمل عليها المملكة جنباً إلى جنب بالتوازي؛ وذلك تحقيقاً لمبدأ الاستدامة، والحفاظ على البيئة، سواء من خلال مشاريع الطاقة المتجددة، والحد من الانبعاثات الكربونية، أو مشاريع المحميات الطبيعية، والمدن الخضراء، وتعظيم الغطاء النباتي، والمبادرات البيئية كالسعودية الخضراء والشرق الأوسط الأخضر.. وغيرها من مشاريع نحو عالم أخضر.