أعترفُ بأنه لا يمكن السيطرة على الحياة، ولكن يمكن السيطرة على طريقتك في ترجمة الأحداث ورؤية الأمور.
كيف يكون ذلك؟
دعوني أوضح:
عندما يداهمك شعور ومزاج قوي عاصف تتبَّع دبيب الفكرة، من أي جُحر خرجت، ولأي سبب ظهرت، مهما كان سخيفًا في نظرك تلك اللحظة أو لا يستحق.. لا تهملها.
وجِّه كامل تركيزك لتلك الفريسة؛ فهي أكثر ما يستحق اهتمامك تلك اللحظة، فإن هي أفلتت من زمام تحكمك ستجرُّك خلفها إلى أوطان الشوك والظلام، وتعود خائر القوى بلا وفاض ولا عتاد ولا نجاح!
وإن أنت ترصدت لها ولم تسمح لها بالتمدد؛ فرفضتها، أو أعدت صياغتها كما يليق بسمو روحك، حينها تكون قد سيطرت على اللحظة وملكتها، ومن هنا تبدأ إدارة حياتك، من إدارة أفكارك..
حياتك ملك لك وحدك، وأفكارك لا يراها أحد سواك، إن أنت خنقتها في صندوق مظلم ستتكاثر وتربكك، وتضعفك، ثم تكسرك، وتحيد بك عن الطريق الأمثل للحياة! وتتوه في منزلقات القلق أو الوسوسة أو الاكتئاب، وغيرها من أعداء الحياة.
لا تستسلم، لا تصدق كل ما يقوله عقلك، بل حكِّم رؤيتك، نظرتك، وواقعك ليقيّم الفكرة؛ فيضعها محل تقدير أو تصحيح أو رفض أو نسيان.
فإذا أردت أن تسيطر على حياتك تعلَّم كيف تسيطر على أفكارك.
فسيطرتك على أفكارك سيطرة على الشعور؛ ومن ثم السلوك الذي هو نقطة البداية في كل المواقف.
ولا سبيل للنجاح دون مراقبة خواطرك، واستيعاب خط السير الذي بدأتَ، والبقعة التي وصلتَ إليها.
قليل مَن يتنبه لذلك المنحنى، وكثير من يخوض مع ارتفاعات وانخفاضات مزاجية وعرة، دون وعي، ودون ربط وتسلسل ليربط بين سلوكه وشعوره، ويتعرف على ما يؤذيه فيبتعد عنه، ويتلمس ما يريحه فيكثر منه.
يعتقد أن تلك العشوائية هي جزء من الحياة، ولم يعلم أنها مجرد مرحلة لمن وصل لمرحلة السيطرة على أفكاره وتهذيبها وتنقيتها قبل أن يسمح لها بالمكوث في عقله.
قليلٌ مَن يصل لهذه المرحلة في عمر مبكر، فلا يصل لها الرحالة إلا وقد قطعوا أشواطًا طويلة في البُعد عن ذواتهم، وانخرطوا في سياقات وظروف لا تشبههم، تُسبّب المزيد من الآلام والسلبية دون وعي منهم. وهنا يقترب الانفجار، وتتدمر الروح، وتتلاشى ملامح الشخصية.
إن الواعي مَن يتلمس النور في عتمة عقله؛ ليضيء لنفسه الدرب الأمثل بأقل المعكرات، وأرفع درجة من الرضا والتقبل؛ حتى تمر به منعطفات الابتلاءات وهو يلتحف عباءة الصبر، ويمتطي صهوة الدعاء الذي لا يخيب معه أحد.
هنا في تلك الفواصل تكمن الفروق بين الشخصيات، وتُكشف الهفوات في نفسيات البعض، ومكامن الضعف وبؤر الانهيار والهشاشة النفسية في البعض الآخر.
فصاحب القوة مَن تعصف به كروب وخطوب ويظل ثابتًا صامدًا في وجه الابتلاء، متيقنًا أنها مرحلة لا بد لها من نهاية، فيسلك السبل بصدق؛ لينهيها بأسرع ما يمكن. وهنا يتجلى الدعاء بل التضرع لمن يكشف الضر ويسمع المضطر إذا دعاه. وقد خاطبنا بها في كتابه الكريم سبحانه: {أمَّن يُجيبُ المضطر إذا دعاه ويكشف السوء...}.
نعود لأصل الحكاية ومنطلق النهايات الحزينة، بل السعيدة أيضًا.. إنه انطلاق وامتداد كل شيء، تلك الفكرة التي ينتجها عقلك متأثرًا بالعادات التي جُبل عليها منذ نعومة أظفاره. فإن كان ذلك العقل مدرَّبًا على إنتاج أجود الأفكار، والسيطرة على ما خبث منها، ستتضاعف فرص نجاته.. أما إن كان أُميًّا في الوعي بأفكاره فسيقع أسيرًا عند كل فخ يترجمه له عقله المشوش؛ فينتهي به الطريق متعبًا مستنزفًا بلا روح وبلا همة وبلا حياة.
حياتك حياتك..
وعمرك عمرك..
سيفنى لا محالة..
وستنتهي يومًا تلك الحكاية، وتصير قصة تُروى!
وحدك أنت مَن يمتلك الحبر والقلم والأوراق، الحبر هو الفكرة، والقلم هو الشعور، أما الورقة فهي السلوك.. فما سيخطه حبرك سيغدو لونه وشكله واقعًا على دفاترك.
فزيِّن أوراقك كما شئتَ، جَمِّلها وعَلِّقها، أو اطمسها ومَزِّقها إنْ أردتَ؛ فلا أحد سيمنعك؛ تلك حياتك؛ فلا تنتظر أن يأتي أحد لإنقاذك ما لم تبادر لذلك أنت.