كان الموقف الأخير من الإدارة الأمريكية، في ملف القدس وفيتو مجلس الأمن محلّ تعجّب واستغراب، خاصة وأن الرئيس الجمهوري دونالد ترامب أظهر بداية فترته الرئاسية صورة مغايرة عمن سبقه في ملف تمدد إيران، والفوضى التي غرسها سلفه الديمقراطي "أوباما"، كل ذلك كان يحتاج مني لقراءة دقيقة كمتابع ومهتم بشؤون السياسة الأمريكية، هل تغيرت سياسة "ترامب" فعلاً تجاه الشرق الأوسط؟!
نتذكر في جميع الانتخابات الرئاسية الأمريكية، وعد مستمر بنقل السفارة الأمريكية، ولَم يفعلها "كلينتون"، ولا "بوش" الابن، ولا حتى الخائن "أوباما"، ولا جميع من قبلهم، و"ترامب" كحالهم وعد، ولكن ليس كمثلهم، لماذا نفّذ؟! وفِي وقت بلاده تخشى أن تطالها يد الإرهاب، وما قلقه وتوتره وقت الإعلان إلا دليلاً على أنه لم يكن من اختار توقيت الإعلان، والإعلان فُرض عليه فرضاً، فما السر خلف ذلك؟! وما علاقة أخبار التحقيقات حول علاقة "ترامب" وإدارته بروسيا بإعلان الرئيس الأمريكي؟! ولماذا تحارب الإدارة الأمريكية وبشكل غير مسبوق لتنفيذ هذا القرار من تصاريح و"فيتو" وسواه؟! وهل قوة اللوبي الصهيوني في الكونجرس تخيف الرئيس المتهور؟!
هناك مثل إنجليزي يقول "ارتدِ حذاءه" بمعنى "ضع نفسك في مكانه"، ولنفهم ما حصل ليعتبر كل منا نفسه مكان "ترامب"، بعد كل الأسئلة أعلاه لنربط الأحداث، ونفهم سبب تغيّر موقف الرئيس الأمريكي، فاللعبة متغيرة، وأمريكا ليست الدولة التي تمنح رئيسها صلاحيات مطلقة، وحين نضع أنفسنا مكانه سنجد أن "ترامب" وبلاده ليسوا الوسيط المناسب في الخلاف الفلسطيني الإسرائيلي؛ لكونها تحت تأثير أحد الطرفين، ودخول دولة جديدة كوسيط مثل روسيا أو الصين أو سواهما.
لم تعد الولايات المتحدة طرفاً محايداً، حتى تقبل به فلسطين كوسيط، بل إن التفاوض معها كحال التفاوض مع إسرائيل، باختلاف الأشخاص ومراكزهم، لذا فلا خلاف على أن واشنطن لم تعد وسيطاً حقيقياً؛ لكونها منحازاً لطرف ضد آخر، ومن حق الفلسطينيين والعرب عقابها بشكل حضاري، عبر سحب الثقة بها كوسيط، واختيار وسيط جديد. ويبدو أن الروس، القوة المتعطشة للوجود في الشرق الأوسط، حل مناسب كطرف حيادي، خاصة بعد أن كفرت بحلفها مع الإيرانيين، وسحبت الغطاء الذي كانت تمنحه لعملاء إيران في اليمن وسوريا؛ احتراماً لرغبات الشعوب وإرادتها، وستكون الثقة بها أشبه بمكافأة لطرف اقترب من العرب، ومد يد الأمة العربية لها.