ذات الرداء الأبيض

ذات الرداء الأبيض

صورة تلك الطبيبة الإنجليزية التي قررت أن تضع تاج الجمال جانبًا، وتعود لعملها الأساسي بوصفها طبيبة، جعلتني أتفكَّر مليًّا بالأمر. بعد أن حصلت Bhasha Mukherjee على لقب (ملكة جمال إنجلترا) ها هي تعود مؤخرًا لتثبت للجميع أن المثل القائل بأن (الصحة تاج على رؤوس الأصحاء، لا يشعر به إلا المرضى) لم يأتِ من فراغ؛ فلا يدرك قيمة هذا الرداء الأبيض، الذي يحمل لون الثلج، سوى شخص شعر بأن حياته كانت على شفا جرف، لولا أن الله سخَّر له طبيبًا كرَّس حياته لخدمة البشرية.

مهام كثيرة، بعضها قد يكون إنسانيًّا، وبعضها اجتماعي، تضيف لحياة أي سيدة تحمل لقب الجمال بريقًا، لا يمكن مقاومته.. لكن هذا ليس كل شيء؛ فهناك عطاء إنساني أكبر من الانغماس في اللحظة التي نعيشها. والمقارنة لا أجدها عادلة بين تاج، تم ترصيعه بمجموعة من الأحجار، ورداء أبيض لم يكن ليرتديه سوى أشخاص، وُصفوا بأنهم ملائكة الرحمة.

ولا عليك من كل تلك الألوان الزائفة، التي ما تلبث أن تنطفئ مع الوقت، حتى وإن كان معدنها من الماس. لا ننكر أن كثيرًا من مهام حاملة اللقب تحمل طابعًا إنسانيًّا، لكن ذلك لا يكفي؛ فخدمة البشرية تأتي على درجات، وإنقاذ حياة مريض، يمكنك عمل شيء لأجله، هو نُبل يدل على كريم تلك الروح.

أن تؤثر البقاء في الميدان، وتشمر عن ساعدك، فتكتشف أن عينيك قد تسمرتا أمام مريض يقف أمامك متوسمًا فيك الخير، فهذا يجعلك على قدر من المسؤولية التي تحمل في طياتها سعادة وبهجة من نوع خاص.

هناك لغة لا يفهمها سوى الطبيب، حين يقف على بُعد خطوات عن مريض يئن من الألم، وتحكي نظرته حجم الوجع الذي لا يكاد يُحتمل.

آثرت Bhasha أن تكون ضمن الفريق الموجود في أرض الميدان؛ لتسهم بنفسها مع الأطباء في محاربة هذا المرض، ومساعدة من تستطيع ممن يتألمون من المرضى.

وهنا نجد أننا أمام نقطة مهمة، وهي مسألة ترتيب الأولويات، واتخاذ القدوات بالنسبة للجيل الناشئ.

فالقيم الحقيقية التي تحملها تلك القدوة لا بد أن تكون هي المعيار الذي نقيس به الأمور.

المساهمة في التحسين من جودة القطاع الصحي، وغيره الكثير من القطاعات الحيوية، تبدأ عندما يتنافس الأبناء على تحصيل أعلى درجات العلوم في هذه القطاعات.

واليوم، ومع الأزمة التي نمرُّ بها جميعًا، أعتقد أن مكامن الجمال الحقيقي بدأت تتكشف للجميع.

ومع كل ذلك فإن مما يشفع لهذه الطبيبة ربما يكون شعورها الإنساني بأنها لا يمكن أن ترتدي التاج في الوقت الذي تشاهد فيه الكثير من الأشخاص حول العالم يواجهون ظروف الحياة الصعبة بسبب المرض.

ربما تكون هذه القصة هي الدافع لنا جميعًا لنراجع أنفسنا، ونكتشف نقاط القوة التي نملكها.

وإضافة لذلك فهي فرصة جيدة لتوحيد شروط عامة على أصحاب بعض المهن، تحتم عدم الانخراط بمجالات وأنشطة جديدة إلا بعد تصاريح خاصة. ومن تلك المهن بالتأكيد مهنتا الطب والتمريض.

أخبار قد تعجبك

No stories found.
صحيفة سبق الالكترونية
sabq.org