تواصل "سبق" نشر حلقات الهجرة النبوية الشريفة، حيث تتناول الحلقة التاسعة، تحويل القبلة من المسجد الأقصى إلى الكعبة.
أمنية الرسول
ظل المسلمون طيلة العهد المكّي يتوجّهون في صلاتهم إلى المسجد الأقصى امتثالاً لأمر الله سبحانه وتعالى، وفي تلك الأثناء كان رسول الله يمتثل للحكم الإلهي وفي فؤاده أمنية كبيرة طالما راودته، وتتمثّل في التوجّه إلى الكعبة بدلاً من المسجد الأقصى.
تحويل القبلة
يقول المهندس حسان طاهر المدير التنفيذي لمتحف دار المدينة: إن لحادثة تحويل القبلة أبعادًا كثيرة، فكان لها البعد السياسي، حيث جعلت من الجزيرة العربية محور الأحداث، والبعد التاريخي لأنها ربطت هذا العالم بالإرث النبوي لإبراهيم عليه السلام، والبعد العسكري لأنها مهدت لفتح مكة، وإنهاء الوضع الوثني في المسجد الحرام، حيث أصبح مركز التوحيد بعد أن كان مركزًا لعبادة الأصنام، والبعد الديني أيضًا لأنها ربطت القلوب بالملة الحنيفية، وميزت الأمة الإسلامية عن غيرها.
صلاة الرسول بمكة
أضاف "طاهر": أنه ما كان للنبي ﷺ أن يخالف أمر ربّه، بيد أنه استطاع في مكة الجمع بين رغبته في التوجّه إلى الكعبة وعدم مخالفة الأمر بالتوجّه إلى المسجد الأقصى بأن يصلّي أمام الكعبة ولكن متّجهًا إلى الشمال، كما يدلّ عليه الحديث الذي رواه ابن عباس حيث قال: "كان رسول الله ﷺ يصلي وهو بمكة نحو المسجد الأقصى والكعبة بين يديه". رواه أحمد .
وأكد طاهر أنه لما أذن الله بالهجرة، ووصل المسلمون إلى المدينة، وبُنيت المساجد، وشرع الآذان لم ينس النبي ﷺ حبّهللكعبة ويحزنه أن لا يستطيع استقبال القبلتين معاً، كما كان يفعل في مكّة، وكان شأنه بين أن يخفض رأسه خضوعاً لأمر اللهوأن يرفعه أملاً في إجابة دعوته. ويصف القرآن الكريم حال النبي ﷺ بقوله: {قد نرى تقلب وجهك في السماء}.
نزول جبريل
بيّن طاهر أن في منتصف شعبان، وبعد مرور ستة عشر شهراً من استقبال المسجد الأقصى، نزل جبريل عليه السلام بالوحي إلى النبي ﷺ ليزفّ البشرى بالتوجّه إلى الكعبة، قال تعالى: {فلنولينك قبلة ترضاها فول وجهك شطر المسجد الحرام وحيثما كنتم فولوا وجوهكم شطره}، فكانت أول صلاة صلاها النبي ﷺ مستقبلاً الكعبة كانت صلاة العصر، وصلى معه قوم،فخرج رجل ممن صلى معه فمر على أهل مسجد وهم راكعون، فقال: أشهد بالله لقد صليت مع رسول الله ﷺ قِبَل مكةفداروا كما هم قِبَل البيت، رواه البخاري.
انتشار الخبر
قال المدير التنفيذي لمتحف المدينة أنه على الرغم من انتشار الخبر وذيوعه، إلا أنّه تأخّر عن أهل قباء حتى صلاة الصبح، فجاء إليهم رجل فقال: "أنزل الله على النبي ﷺ قرآنًا أن يستقبل الكعبة فاستقبِلُوها"، فتوجهوا إلى الكعبة، رواه البخاري.
أفعال الناس والتحول
أوضح المهندس حسان طاهر اأنه قد تباينت ردود أفعال الناس تجاه هذا الحادث غير المألوف، أما المؤمنون فلم يترددوا لحظة عن التحوّل طاعةً لله ورسوله، فامتدحهم الله وبيّن لهم أن هذه الحادثة إنما كانت اختبارًا للناس وامتحاناً لهم، كما قال تعالى: {وما جعلنا القبلة التي كنت عليها إلا لنعلم من يتبع الرسول ممن ينقلب على عقبيه وإن كانت لكبيرة إلا على الذين هدى الله}.
وأما اليهود فقد عابوا على المسلمين رجوعهم عن المسجد الأقصى إلى الكعبة، وقابلوا ذلك بالسخرية والاستهجان، واستغلّوا ذلك الحدث بدهاءٍ ليمرّروا من خلاله الشكوك والتساؤلات طعناً في الشريعة وتعميةً لحقائقها، وقد حذّر الله سبحانه وتعالى المسلمين وأخبرهم بموقف اليهود قبل وقوعه فقال: {سيقول السفهاء من الناس ما ولاهم عن قبلتهم التي كانوا عليها قل لله المشرق والمغرب يهدي من يشاء إلى صراط مستقيم}.
نهاية الشرك
اختتم حسان قائلاً: كان ذلك التحوّل إيذاناً بنهاية الشرك وسقوط رايته، وأصبحت الكعبة قبلةً للمسلمين إلى أن يرث الله الأرض ومن عليها.