
عكست المواطنة ابتسام محمد البلوي أول مختصة بتصميم المجوهرات وحاصلة على درجة الماجستير من كلية سافانا للفن والتصميم Savannah College of Art and Design (SCAD)، عادات وتقاليد المجتمع السعودي بتصاميم مجوهراتها، وأقامت أول معرض خاص بها بمدينة جورجيا باسم المشاعر Interior Emotions. واستطاعت النجاح؛ بسبب تحويل الطاقة السلبية إلى إيجابية في جميع أعمالها.
"سبق" تواصلت مع "البلوي"؛ للحديث عن تخصصها الفريد، وكيف ربطت تصاميمها بعادات وتقاليد المجتمع السعودي.
تقول "ابتسام": أتيح لي أثناء دراستي في هذه الجامعة إقامة معرض خاص في مدينة سافانا تحت عنوان المشاعر، وهو معرض فني ينطلق من الأحاسيس الداخلية التي تملكتني لفترات طويلة منذ أن كنت طفلة متأثرة بأسرتي، وخاصة والدي -رحمه الله- ولا أنسى ذلك اليوم، وكنت أتناول طعام الغداء معه، وأنا على عجل حتى ألحق بعملي، فاستوقفني والدي، وطلب مني الجلوس، مؤكداً أنه لا داعي للعجلة، فجلست على مضض لبعض من الوقت، ثم تهيأت للذهاب بعد ذلك وأنا في منتهى الأسف، وقفت ثم قبّلت رأسه كعادتي، واعتذرت عن أسباب انشغالي ومضيت، وكان هذا هو الغداء الأخير والمرة الأخيرة التي رأيته فيها، ففي تلك الليلة انتقل أبي -رحمه الله- إلى رحاب ربه وتوفي.
وتابعت: هذه الحادثة وغيرها من الحوادث الاجتماعية والعائلية الأخرى وطقوسها ومراسمها التي لا تنسى مما تمليه علينا عاداتنا وتقاليدنا كانت قد تمكّنت مني، فأغرقتني بأفكار جمة كان لها الفضل مما اعتمدت عليه في استكمال أبحاثي ودراستي.
وحول ارتباط تصاميمها وكيف نقلت عادات المجتمع والعائلة إلى تصاميمها تقول "البلوي" لـ"سبق": لقد خطرت لي مثل هذه الأفكار وحكاياتها فيما كان يلهمني حول تنفيذ مشروع أبحاثي، وقد خرجت منها بأن القوة المتمثلة في دمج الأشياء الصغيرة وتجميعها يمكن تحويلها إلى قطعة واحدة، فالزيتون مثلاً يعد بالنسبة لي أهم منتج زراعي يعتدّ به في الثقافة العربية وموجود في القرآن الكريم، بل إن له وجوداً مهماً في حياتي؛ من حيث كونه يحمل الكثير من المعاني المتصلة بموضوع دراستي، لذلك استخدمت الزيتون كشكل يمثل تلك الفاكهة الصغيرة التي تحمل الكثير من الفوائد، وفي نفس الوقت يذكّرني بالوطن والبيت والأمان والراحة، خاصة وهو جزء أساسي في حياتنا اليومية.
وتتابع: من هنا تبلورت فكرتي في ضم عناصر كثيرة يتم وضعها في حاوية أو إناء لتشكل معا شيئاً واحداً أو تصميماً يعبّر عن الشعور القوي بالعاطفة والحب المتبادل والدفء في الوسط العائلي. ومن ثم تصبح قطعتي التي اكتملت قصة تمتلك في ذاتها عناصر الجمال والإحساس بالوقت الذي قضيته مع عائلتي.
وعن بدايتها تقول: بدأ تخصصي في المرحلة الجامعية بالرسم، لكنني كنت قد أحببت تصميم المجوهرات كفن فارتبطت به ارتباطاً وثيقاً، ومن خلاله أقمت بسببه هذا المعرض الذي يرمز إلى العلاقات الجميلة التي تظهر بين الناس وهم يقضون أوقاتاً ممتعة مع بعضهم، ولا يقتصر تصميم المجوهرات على السمة الجمالية بلغة الإبداع الفني فقط، بل إنها أيضاً وسيلة لتقاسم المشاعر والعاطفة التي تخرج من القلب، ومن ثم فإن القصص المحيطة بهذا الإبداع، تمثل تعبيراً حقيقياً ساحراً لكل حكاية أو قصة انصهرت في عاداتنا وتقاليدنا.
وأردفت: من هنا أردت تعميم هذه التجربة بنشرها على الملأ، وإلقاء الضوء عليها؛ حتى أتيح الفرصة للكثيرين من الزملاء ليحذوا حذوي، ويقدموا ما لديهم من إبداعات وأفكار تمثل صوراً إيجابية حقيقية للإنسان والمبتعث السعودي وتفاعله مع المجتمعات التي يعيش فيها، وخاصة ما يقدمه أثناء فترة ابتعاثه.
وعن سبب اختيارها تقول: لعل السبب في اختياري لهذا المجال كما سبق أن أوضحت ينطلق أصلاً من عشقي لهذا النوع من التصميمات التي سمحت لي بالتعبير عن طاقة الفن والجمال وكيفية إبرازها، فضلاً عما حققته من دعم لي أثناء الدراسة. وتتضمن كل فكرة من هذه الأفكار مجموعة من الخطوات تحتم السير فيها واجتيازها في إطار التسلسل المنطقي الذي يؤدي في النهاية إلى تنفيذ هذه الفكرة وإبرازها إلى حيز الوجود.
وتكمل: يبدأ هذا التسلسل بطرح مجموعة من الأسئلة ثم الإجابة عنها، ومنها: كيف خرجت هذه الفكرة إلى النور؟ ولماذا؟ وما هي فلسفتها والجديد مما تقدمه؟ وما هي الغاية وراء طرحها؟ ثم نأتي بعد ذلك إلى موضوع التصميم، وكيف يؤدي دوره في خدمة المصمم والمتذوق على السواء، وهناك أسئلة يتعين طرحها في هذا المجال أيضاً منها: ما هي أسباب اختيار التصميم وطريقة تنفيذه، والمواد أو الخامات المستخدمة فيه؟
وعن الصعوبات تقول: لم يكن ذلك بالأمر الهين على مبتعثة في درجة الماجستير مثلي لا يشاركها أحد في التخصص الذي اختارته رغم صعوبته، فضلاً عما تواجهه من معاناة وصعوبات مادية جمة كادت أن تقف عقبة في سبيل استمرارها في الدراسة، لقد عايشت ذلك في غربة عن الناس والوطن، وأنا أتابع رحلة دراستي، ملتزمة بتديني وحجابي، هذا العزم الذي كاد أن يتحطم على صخرة إرادتي؛ بسبب البعد عن الأهل وجذوة الاشتياق للوطن، ويأسي من القدرة على الاستمرار في الدراسة لولا فضل من الله تعالى وما تبقى لي من الأمل، وما رأيته من إصرار أساتذتي على دفعي نحو النجاح، وتشجيعي من أجل تحقيق رغبتي، وما تمنيته من دراستي، وكان في بداية الأمر أمراً غاية في الصعوبة، حيث انعكس التأثير السلبي على أدائي، وأدى إلى تعرضي للكثير من النقد من أساتذتي، حتى كدت أن أصل إلى حافة اليأس.
وتقول: عند كل تصميم يطالبونني بعمل الكثير من البحوث والدراسات حول هذا التصميم، ومتطلباته في عالم الرسم والديكور والملابس، كما كانوا يطالبونني بالبحث في أكبر عدد من التصاميم حتى أتمكن من اقتناص الفكرة التي تعينني على تخيلها بكل تفاصيلها. ولقد اجتهدت كثيراً، فنجحت تارة وفشلت تارة، إلى أن تغيرت نفسيتي، واستعدت ثقتي في نفسي وإرادتي، وتذكرت في هذا الخضم والدي المتوفى، وإلحاحه لي من أجل إكمال دراستي.
وتتابع: هكذا انطلقت فكرة تصميمي للمجوهرات من إحساس عميق بالحب والارتباط العائلي وحب الأهل والوطن، ولذلك جاءت هذه التصاميم لتعبر عن ذلك في مجتمعنا السعودي الذي يتميز بقوة ارتباطه بالعقيدة وقوة تماسكه الاجتماعي ونظرته الدائمة نحو الرقي والتقدم والسعي من ورائه، لذلك اخترت لهذه التصاميم الأفكار التي تنبع من البيئة والجو العام، فاخترت وقت الإفطار في رمضان مثلاً، وكيف أن هذا الوقت مهم جداً بالنسبة للعائلة والأجواء الرمضانية التي تشع بروحانيتها وشفافيتها من حولها، واخترت أيضاً في هذه التصاميم قصصاً حقيقية لمشاعر وأحاسيس صادقة تعبر عن حب الأب والعائلة والوطن، وتستقطب الجانب الإيجابي منها، وقد تلقفتها من الغياب والاشتياق والبعد والسعي وراء النجاح لتلعب دورها المهم في نقل الحسي إلى المادي، وخلق الشكل الخارجي لتصاميم اعتمدت أولاً على الحس والمشاعر. وسكنت ثانياً في المادة الفضية أو المعدنية التي تجسدها وتشكل بذلك هذا الوجدان.
وتختم "البلوي" حديثها بالقول: أسعى لفتح معرض خاص بي هنا في السعودية، وتشجيع الفتيات اللاتي لديهن موهبة في الرسم؛ لكوني فنانة تشكيلية، ونقل تلك الطاقة الفنية إلى تصاميم في المجوهرات للتعبير عن إحساسهن.