اهتم الإسلام بالعلم اهتمامًا كبيرًا؛ قال تعالى: {قُلْ هَلْ يَسْتَوِي الَّذِينَ يَعْلَمُونَ وَالَّذِينَ لَا يَعْلَمُونَ ۗ إِنَّمَا يَتَذَكَّرُ أُولُو الْأَلْبَابِ}، وقال صلى الله عليه وسلم: "طلب العلم فريضة على كل مسلم". وقد وردت أحاديث كثيرة في الحث على طلب العلم، ونشره، وبيان فضل طالبه، ومن ذلك قوله -صلى الله عليه وسلم-: "مَن سلك طريقًا يلتمس فيه علمًا سهَّل الله له طريقًا إلى الجنة. وإن الملائكة لتضع أجنحتها لطالب العلم رضا بما يصنع. وإن العالِم ليستغفر له مَن في السماوات ومَن في الأرض، حتى الحيتان في الماء. وفضل العالم على العابد كفضل القمر على سائر الكواكب. والعلماء ورثة الأنبياء، وإن الأنبياء لم يورثوا دينارًا ولا درهمًا، إنما ورثوا العلم، فمن أخذه أخذ بحظ وافر".
وانطلاقًا من هذا فإن المملكة العربية السعودية منذ نشأت تولي التعليم اهتمامًا خاصًّا؛ لأنها تؤمن بأنه أساس التقدم، وتدرك أن الأمم المتطورة إنما تؤسس نهضتها على العلم، والتعليم والبحث العلمي هما مفتاح ذلك. ولا يخفى على أحد ما تبذله وزارة التعليم من جهود تسعى من خلالها لبناء جيل من المؤهلين القادرين على تحقيق أهداف رؤية السعودية 2030، ولكن مع الثناء العاطر على كل ما يُبذل من جهود في مجال التعليم من حقنا أن نتساءل بكل شفافية: تعليمنا إلى أين؟!
وقبل أن ندلف إلى بسط القول في الإجابة عن هذا التساؤل يجب أن نثني على ما حققته وزارة التعليم خلال جائحة كورونا. ولعل المهتمين بالشأن التعليمي يدركون كثرة التغير في السياسات والخطط التعليمية. ولا أحد ينكر أهمية التغيير والتحديث والتطوير من آن لآخر، لكن وتيرة التغير سريعة للغاية؛ فكل بضع سنوات يتم وضع خطط جديدة، وتتعاقب الخطة تلو الخطة، ولا ندري شيئًا عن النتائج التي ترتبت على أية خطة من الخطط، لكننا نرى المخرجات التعليمية أمامنا رأي العين كل عام. وينبغي أن نقول بصراحة ووضوح إن أغلب مخرجاتنا التعليمية دون المأمول، وهذا لا ينفي حجم الجهود المبذولة في تطوير العملية التعليمية، لكن لا بد من الاعتراف بضعف المحصلة، ثم لا بد أن نبحث عن الأسباب. نعم هناك جهود تبذل، لكن ما أسباب ضعف النتائج؟
يرى كثير من الخبراء والتربويين أن السبب في تدني مستوى أغلب مخرجاتنا التعليمية يكمن في سرعة تغير السياسات التعليمية؛ فلا تكاد المدارس ولا يكاد الطلاب ولا المعلمون يعتادون على سياسة تعليمية معينة حتى يتم تغييرها واستبدالها بسياسة أخرى، هذا فضلاً عن الملاحظات المستمرة والمتكررة على تطبيق المناهج في أرض الواقع، إضافة إلى عدم وجود ما يكفي من المعلمين المتخصصين في المواد العلمية، مثل: الرياضيات والفيزياء والكمياء. وأقرب دليل على صحة هذا الكلام هو الحديث عن تقسيم العام الدراسي إلى ثلاثة فصول دراسية. وقد تناولت مجموعة من الصحف تصريحات رسمية من وزارة التعليم تفيد بهذا التغيير!!
والسؤال هو: هل تم دراسة هذا الموضوع بصورة متعمقة؟ وما الهدف من جعل العام الدراسي ثلاثة فصول دراسية؟ وكيف سيتم التطبيق؟ وما المطلوب لتحقيق هذا التغيير؟ وهل هناك دول سبق أن طُبِّق هذا النظام فيها؟ وماذا كانت النتائج؟ وما الآلية التي تمت بها عملية التطوير والتعديل؟
في الواقع، إن تعليمنا يحتاج إلى عملية تطوير شامل وجوهري، تبدأ بتبني سياسة تعليمية واضحة وشاملة ومستقرة، تتسق تمامًا وتتوافق مع الأيديولوجية العليا للمملكة، وتنسجم مع الغايات والأهداف الكبرى المراد تحقيقها في المرحلة المقبلة. كما ينبغي وضع خطط واستراتيجيات محددة وواضحة، تُنفَّذ تدريجيًّا بصورة منضبطة، لا تتأثر بالمتغيرات المختلفة. ويحتاج تعليمنا كذلك إلى تطوير المناهج التعليمية؛ لتواكب التطورات والقفزات العلمية في مختلف المعارف والعلوم. كما يحتاج تعليمنا إلى العناية بشكل مكثف بالأنشطة الصفية واللاصفية باعتبارهما مكملَين لبعضهما في تنمية جوانب شخصية الطالب كافة.
وينبغي النظر إلى التعليم على أنه استثمار وليس استهلاكًا؛ وهذا يجعلنا نقوم بتوفير الحد الأدنى من الموارد والإمكانات المادية اللازمة لتطوير العملية التعليمية، وتفعيل المناشط التربوية كافة في المدارس والجامعات، وتبني منظومة حديثة للتدريس من حيث: طرق التدريس، والوسائل التعليمية، والأنشطة البيئية والاجتماعية المصاحبة لسير العملية التعليمية. وتجب الإشارة هنا إلى ضرورة العناية بالمباني التعليمية، وتوفير الشروط الطبيعية الضرورية كافة لنجاح العملية التربوية المتكاملة. وقبل هذا ينبغي الاهتمام بإعداد المعلم المتمكن علميًّا وثقافيًّا وفكريًّا ونفسيًّا، وتأهيله من جميع النواحي التربوية والمهارات التعليمية؛ وذلك لأن المعلم هو العمود الفقري لنجاح العملية التعليمية برمتها.