في الوقت الذي رأى فيه جمهور منتدى "أسبار الدولي 2019" المقام حالياً بالرياض ضرورة طرح المؤسسات الإعلامية للمساهمة، وعدم التوافق بين البيئة السعودية والوسائل الإعلامية التي نشأت خارجها؛ فقد دافع رواد الإعلام عن مهنتهم وأكدوا أنها باقية ومتمددة بشرط استمرار المحتوى الجيد لأنها قائمة على المصداقية بعكس نواتج "السوشال ميديا" كما يسميها المخضرم علي جابر بـ"الصحافة الكاذبة".
وشهدت مجريات الجلسة الثالثة المعنونة بـ "الإعلام في المستقبل" حضوراً كبيراً جاوز "النخبوية" في الوسط الإعلامي إلى المهتمين من كافة الشرائح والمهن، واكتظت بهم مقاعد "الفيرمونت" محتضن اللقاء.
وشارك في الجلسة التي أدارها "إدريس الدريس" كل من مدير مجموعة MBC علي جابر، وعميدة كلية الإعلان بجدة جامعة الأعمال والتكنولوجيا الدكتورة حنين، ومحمد شعيب، ورئيس تحرير مجلة "سيدتي" و"الرجل" محمد بن فهد الحارثي، ورئيس تحرير صحيفة "الإندبندت العربي" عضوان الأحمري، إضافة إلى المؤسس والرئيس التنفيذي لمؤسسة أبعاد لصناعة المحتوى الرقمي الدكتورة ناهد باشطح، والإعلامي السعودي علي العلياني، والإعلامي السعودي عبدالله المديفر.
وتطرقت الجلسة لعدد من المواضيع المهمة منها "صحة الأخبار، وكيفية تداولها على منصات التواصل الاجتماعي، والتعليم الإعلامي في المستقبل، ومستقبل المؤسسات الإعلامية في ظل الثورة الرقمية، إضافة إلى المهن والوظائف الإعلامية في المستقبل والإعلام في المستقبل.. هل ستختفي الصحافة؟ ومستقبل صحافة البيانات في الإعلام العربي".
ولم يخل حديث "علي جابر" من المكاشفة والشفافية، حيث يرى أن التحدي المستقبلي للإعلام كبير جداً، وأهم تحدٍ: كيف تقاوم الأخبار المكذوبة في السوشال ميديا ؟، مشيراً أن الصحافة مبنية على التحقق من صحة الخبر قبل النشر، أما السوشال ميديا فلا يوجد تحقق ولا أي نوع من الرقابة لذلك إمكانية نشر الأخبار سهلة بحسب نواياهم، وهناك من ينشر بقصد الإيذاء.
وأضاف: "السوشال ميديا" هي ليست صحافة.. هي شركات تكنولوجيا، وهناك سباق تكنلوجي بين الصحافة المبنية على الصدق وبين الصحافة الكاذبة التي لا يمكن أن تجزم أن الصورة والفيديو صحيحة أم لا.
وبلغة الواثق قال: نحن صحفيون شغلتنا الحقيقة وليس الكذب، وهذه المهمة ليست من مهام أصحاب المهن الأخرى مثل الأطباء والمهندسين وبقية الموظفين، الصحافة الحقيقية لديها هدف وأهميتها الآن أصبحت كبيرة في بث المصداقية والتثبت من الوقائع قبل بثها.
ويجزم محمد بن فهد الحارثي ببقاء الصحافة ما بقي الناس، واستشهد بصحيفة "النيويورك تايمز" التي عاد إليها الناس للبحث عن المصدر الموثوق، وأكد أن المؤسسات الإعلامية المحترمة التي لديها محتوى جيد تبقى لأمد بعيد؛ لأن القارئ أصبح واعياً، والوسيلة المهتمة بالمحتوى سوف تنتصر، والتحدي الذي تواجهه ليس "تكنولوجياً"، إنما القيادة، لعدم وجود قائد لديه تصور ورؤية فهي الإشكالية الحقيقية.
وبيّن "الحارثي" أن صحيفة "الجاردن" البريطانية كانت تخسر 200 مليون ريال سعودي، ثم نهضت من كبوتها وعملت خارطة طريق، وحققت مكاسب عالية، لأنها غيرت التركيبة وشكّلت قيادة جديدة برؤية جديدة، وصنعت اسماً كبيراً وأرباحاً عالية.
وأبدى استغرابه من تصرف الصحالفة السعودية عندما أحست بالخطر نتيجة الإفلاس فعمدوا إلى تقليص عدد الموظفين، وهذا الإجراء في الوسيلة الإعلامية لا يخدمها، إنما الصحيح هو تطوير المطبخ ومواكبة التطورات.
وطالب عضوان الأحمري بالاهتمام بالمحتوى وعدم تحقير المادة الصحفية إذا اكتملت أركانها، الاستسلام للمتلقي هو إضعاف للمحتوى، لأن المحتوى الجيد هو من يجبر المتلقي على البحث عن المادة الإعلامية في كل منصاتها.
وحول محور "الإعلام في المستقبل وهل ستختفي الصحافة؟"، أجاب "الأحمري": الصحافة لن تختفي، وكل صحيفة رصينة لديها أرشيف تصبح مرجعاً، أما أخبار التويتر فهي تنتهي خلال 48 ساعة، ونحن في الإعلام العربي لدينا أزمة تضخيم تويتر.
وعن "مستقبل الحوارات التلفزيونية في المستقبل"، قال "علي العلياني": إنه في عام 2020 هناك 50% سوف يشاهدون البرامج التلفزيونية من شاشة الجوال، والمحتوى هو سيد الموقف، وتوقع أن الحرب القادمة هو تقديم برامج بدون مذيعين، ومن الممكن أن يقوم بالمهمة "روبوت"، معتقداً ببقاء البرامج المباشرة.
ويرى "العلياني" أن هناك برامج نجحت بميزانية أقل بسبب وجود صحفيين حقيقيين لصناعة المحتوى وهم غير ظاهرين في المشهد، كما تذمر من عملية سرقة المحتوى في المملكة، وقال "هذا ما نعانيه هنا، وأصبحت بيئتنا غير صالحة لتطبيق الحصرية في الخبر، وعلى الجهات المعنية فرض عقوبات على من يسرق المحتوى".
وتساءل "عبدالله المديفر": " هل الحوار التلفزيوني سينتهي ؟"، ولم يترك الإجابة للجمهور الحاضر، ليجيب هو سريعاً " لن ينتهي.. لأن الناس يحبون أنك تتحاور مع الأشخاص الذين يشار إليهم بالبنان، وهي رغبة فطرية موجودة عند الإنسان إلى الأبد".
وطرح المديفر سؤالاً آخر وأجاب على الفور: هل سيتغير الحوار؟.. نعم ولن تستمر الحوارات التلفزيونية بهذا الحال، والذكاء الاصطناعي سيفيدنا في المستقبل لمعرفة فهم الناس وماذا يحبون.
ويرى "المديفر" أن المحتوى الجيد لا يكفي، فالتلفزيون أداة ترفيه، وهذا دور المحاور في شد انتباه المشاهد، والتعامل مع المادة الإعلامية بما يتناسب مع المتلقي، والمتلقي بالأخير هو من سيتحكم بمستقبل الإعلام.
وراهنت ناهد باشطح على المستقبل الباهر الذي ينتظر صحافة البيانات، مستعرضة تجربة القصة الصحفية في تناول داء الجرب، وكيف تم التعامل مع الخبر بطريقة استقصائية، مؤكدة أن المادة الإعلامية يعمل عليها فريق مختص حتى تخرج للناس بطريقة مميزة وجاذبة ومختلفة.
واستعرضت "حنين محمد شعيب" تجربة كلية الإعلان بجدة في محور التعليم الإعلامي في المستقبل ،وبينت أن لديهم إمكانات كافية لصناعة كوادر يخدمون الوطن، فدراستهم لايوجد بها اختبارات إنما مشاريع، وتضم الكلية غرفة تحكم واستديوهات، ومعامل كمبيوتر، ولديهم شراكات وجسور مع جهات عديدة.
وكشفت عن دور طلاب وطالبات كلية الإعلان بتغذية "قوقل ماب" الإبداعي بمشروع المدن والإبداع مثل مشروع جدة الثقافية، وبإمكان مستخدمي الخرائط حول العالم مشاهدة موقع "جدة التاريخية" على الخريطة.