مرة أخرى تعلن المملكة انحيازها الكامل للبيئة، وحرصها على دعم جهود المجتمع الدولي في مواجهة التحديات الرئيسية التي تحيط بكوكب الأرض؛ إذ تشهد الرياض خلال هذه الأيام أعمال "منتدى مبادرة السعودية الخضراء" و"قمة مبادرة الشرق الأوسط الأخضر"، وهما المبادرتان اللتان أعلنهما سمو ولي العهد الأمير محمد بن سلمان أواخر مارس الماضي، وحظيتا بتفاعل دولي كبير.
وتركز المبادرتان بشكل رئيسي على تبني العديد من الخطط لزراعة أكثر من 50 مليار شجرة خلال السنوات القادمة، وهو ما يعد أكبر برنامج لإعادة التشجير في العالم، وسوف تكون له – حسب تأكيدات المختصين - آثار إيجابية هائلة على جميع القطاعات، بما لا يقتصر أثره على المملكة فقط، بل سيشمل دول المنطقة كافة. ومن الأهداف الرئيسية للمبادرتين تقليل الانبعاثات الكربونية بأكثر من 4%، ورفع نسبة تحويل النفايات عن المرادم إلى 94%، وستؤدي في النهاية إلى رفع مستوى جودة الحياة وحماية الأجيال القادمة.
والمملكة عندما تهتم بإنزال المبادرتين على أرض الواقع فهي بذلك تجدد اهتمامها الكبير بقضايا البيئة والمناخ؛ وهو ما شكَّل سمة بارزة، ظلت تُميِّزها منذ توحيدها، كما تؤكد تصميمها على إحداث حراك عالمي متواصل لمواجهة ظاهرة التغير المناخي، وحماية الأرض والطبيعة، والإسهام بشكل قوي وفاعل في تحقيق المستهدفات العالمية؛ بما يصب في مكافحة الأزمات المرتبطة بالمناخ بشكل منسق إقليميًّا ودوليًّا.
ومن أبرز ما يميز هاتين المبادرتين اللتين حظيتا بتأييد المنظمات الدولية المختصة تلك الواقعية الكبيرة المقرونة بالطموح؛ إذ تم الاهتمام بتلبية التفاصيل الضرورية كافة؛ لأن زراعة 10 مليارات شجرة داخل أراضي المملكة وحدها و40 مليار شجرة في منطقة الشرق الأوسط، سوف تقود في المستقبل إلى استصلاح وإعادة تأهيل ما يزيد على 40 مليون فدان من الأراضي التي تأثرت بعوامل التصحر وزحف الرمال، ويصبح بالإمكان إعادة استغلالها في أغراض الزراعة المختلفة. كذلك فإن زراعة هذا العدد الضخم من الأشجار تعني مضاعفة المساحة الخضراء إلى 12 مرة.
وهناك جانب آخر في غاية الأهمية وراء اهتمام المملكة بقضايا البيئة؛ فهي عندما تتبنى مثل هذه المبادرات الرائدة فإنها تنطلق من واجبها الأخلاقي المتمثل في حتمية الحفاظ على البيئة. ولأنها الدولة التي تسيطر على الإنتاج العالمي من البترول، وهناك من يسيء استخدام المشتقات النفطية بالصورة التي تؤدي إلى الإضرار بالبيئة، فإنها تعيد تذكير الآخرين بدورهم في مقاومة تلك الآثار السالبة، والإسهام في الجهود الرامية إلى حفظ الحياة على هذا الكوكب الذي نتشارك جميعًا العيش فيه.
وقد حرصت السعودية على إنجاح هذا الحدث الكبير، وذلك من خلال توجيه الدعوة إلى المهتمين كافة بالحفاظ على سلامة البيئة، سواء من رؤساء دول العالم والمسؤولين الحكوميين، أو الرؤساء التنفيذيين في المنظمات الدولية والأكاديميين وأصحاب الاختصاص في المجال البيئي ومؤسسات المجتمع المدني، وسيجتمع كل هؤلاء لبحث السبل الكفيلة بتعزيز التعاون، وتوحيد الجهود نحو تنفيذ الالتزامات البيئية المشتركة، والإيفاء بالالتزامات الدولية الواجبة لمواجهة تحديات التغير المناخي خارج حدودها أيضًا.
ولا خلاف بطبيعة الحال على الآثار المدمرة التي تنتج من سوء التعامل مع البيئة، وفي مقدمتها التغير المناخي الذي يعاني منه العالم أجمع. وقد شهدنا -ولا نزال- الكثير من الأعاصير والفيضانات والعواصف، وتراجع رقعة الأراضي الصالحة للزراعة، وتناقص مخزونات المياه، إضافة إلى انتشار الأمراض والأوبئة التي تنتج من تلوث الهواء بغازات الاحتباس الحراري.
أخيرًا تجدر الإشارة إلى أن المملكة التي تبذل كل جهدها لتنمية واقعها، وتحسين معيشة مواطنيها، وتشهد طفرة اقتصادية وتنموية هائلة لتحقيق تلك الغايات، لم تتجاهل واقعها والتزاماتها الدولية، وتتعامل بمنتهى الحكمة مع قضايا البيئة؛ لأنها تدرك أن التخطيط الذي يؤدي إلى تحقيق نتائج مستدامة هو الذي يأخذ في حساباته المتغيرات التي يمكن أن تحدث على المديين القريب والبعيد، وهي وصفة سعودية خالصة، سوف تقودها حتمًا إلى تحقيق النجاح المأمول.