تجربتان عاشتهما المتبرّعة نجلاء السديري؛ قلبتا حياتها رأساً على عقب: الأولى، حينما تبرعت لأقرب الناس إليها، والأخرى، انتظارها متبرّعاً لفلذة كبدها.
المتبرّعة السديري كانت مثل أي فتاة تعيش حياة طبيعية، وفي مقتبل عمرها؛ قبل ما يربو على 20 عامًا، اتخذت قرارًا مهمًا بالتبرّع بكليتها لشقيقتها صيتة، التي كانت تعاني فشلًا كلويًا، ومع أن نجلاء كانت تخاف من المستشفيات والأطباء، وأيضًا لم يكن عندها تصور واضح لعمليات زراعة الأعضاء، إلا أن معاناة أختها مع الغسيل الكلوي، وما تكابده للتعايش مع الفشل العضوي، حتّم عليها اتخاذ قرار التبرّع؛ لتنهي تلك المأساة والمشقّة.
تقول السديري: "حينما بدأت عمل التحاليل في المستشفى زال عني تمامًا كل الخوف السابق، وبدأت أعيش الأمل برؤية أختي صيتة تمارس حياتها بشكل طبيعي، وفعلًا هذا ما حصل، وتكللت العملية ولله الحمد بالنجاح، وعشت إحساسًا عظيمًا بكل ما تحمله الكلمة من معنى؛ إحساس العطاء والوفاء وإنهاء معاناة شقيقتي. وحينما شاهدتها متعافية غمرتني سعادة كبيرة لا توصف".
وشاءت أقدار الله أن تعيش نجلاء العام الماضي تجربة مريرة تمثّلت في انتظار متبرّع لإنقاذ ابنتها سلطانة بعد فشل وظائف كبدها، وكانت حالة سلطانة حرجة جدًا، وساء وضعها الصحي كثيرًا؛ وبين تعلّق ببصيص أمل للعثور على متبرّع لإنقاذ حياة ابنتها، وبين حرقة وألم ووجع تعايشه وتتجرع مرارته يوميًا حينما تنظر إلى فلذة كبدها التي كانت قاب قوسين أو أدنى من مفارقة الحياة، وهي عاجزة عن مساعدتها؛ إلى أن كُتب لها عمرٌ جديد.
"حياة بعد ممات".. بهذه الكلمات يصف المصاب بالتليف الكبدي عبدالله التميمي، حالته بعد إصابته بالفشل العضوي الذي غيّر حياته، وجعله يرتاد المستشفيات مرارًا وتكرارًا، متشبثًا بالحياة، إلا أنّ حالته تزداد سوءًا، وتستلزم زراعة كبد تنقذ حياته.
يقول التميمي: "أنا رجل مؤمنٌ بقضاء الله وقدره، ولم أكن قلقًا على نفسي بقدر ما كنت قلقًا على عائلتي، كونهم في أمسّ الحاجة إليّ، وكنت أدعو الله دائمًا أن يخلفني عليهم. والحمد لله فبعد ظلامٍ دامس عشت فيه، انبلج نورٌ أضاء حياتي وحياة عائلتي، ومنّ الله عليّ بالشفاء بعدما تبرع لي متوفى دماغيًا بكبده التي أنقذت حياتي، عن طريق المركز السعودي لزراعة الأعضاء".
وبدأ تاريخ زراعة الأعضاء في المملكة عام 1979م، بزراعة أول كُلية في مدينة الأمير سلطان الطبية العسكرية، إلا أنّ البداية الفعلية لبرنامج التبرّع بالأعضاء وزراعتها بالمملكة -بحسب ما يذكره المدير العام للمركز السعودي لزراعة الأعضاء الدكتور طلال القوفي- كانت من خلال إنشاء المركز الوطني للكُلى، الذي جاءت فكرة إنشائه بمبادرة كريمة من خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان بن عبدالعزيز آل سعود -حفظه الله- حينما كان -أيّده الله- أميرًا لمنطقة الرياض آنذاك، حيث أثمرت مبادرته الكريمة بصدور الأمر السامي الكريم (7/ 1561/م) في 19 /5/ 1404هـ، بإنشاء المركز الوطني للكُلى، ومع تعدُّد نشاطات المركز وتوسع خدماته، التي شملت زراعة الأعضاء المختلفة، صدر الأمر السامي الكريم رقم (80) في 20 /6/ 1413هـ، بتغيير مسماه إلى المركز السعودي لزراعة الأعضاء.
ويضطلع المركز بعديدٍ من المهام والعمليات التنظيمية والتشغيلية التي من شأنها تنظيم ممارسة التبرّع وزراعة الأعضاء في المملكة، من خلال وضع السياسات والإجراءات الخاصة بأنشطة الزراعة والتبرّع بالأعضاء وفق نظام التبرّع بالأعضاء البشرية الصادر (م /70/ 1442)، وإعداد المعايير والشروط اللازمة لترخيص برامج زراعة الأعضاء ومراقبة المنشآت وتقويمها بشكل دوري، إضافة إلى تسجيل ومتابعة حالات مرضى الفشل العضوي والمرضى بعد الزراعة، واستقبال حالات الوفاة الدماغية، ومتابعة سلسلة إمداد الأعضاء على مراكز الزراعة في المملكة، إضافة إلى الإشراف على قوائم الانتظار، وتحديد أولوية المستحقين، من خلال توصيات اللجان العلمية الوطنية بناءً على المعايير المبنية على أسس ودراسات مستوحاة من تجارب الدول الأخرى، والتي تهدف إلى خدمة المريض المستحق.
وخلال الأربعين عامًا الماضية من عمل المركز، تطورت ممارسة التبرّع بالأعضاء وزراعتها على مستوى المملكة لخدمة مرضى القصور العضوي النهائي، وتزايدت عمليات زراعة الأعضاء كالكلى والقلب والكبد والرئتين والبنكرياس والأمعاء والأنسجة كالعظام والقرنيات، مما وضع المملكة في مركزٍ متقدم، حيث تبوأت المرتبة الثانية عالميًا للتبرّع بالأعضاء من الأحياء، بحسب إحصائيات المرصد العالمي للتبرّع وزراعة الأعضاء لعام 2022م، وتتوافر جميع أنواع زراعات الأعضاء عبر سلسلة من مراكز الزراعة المنتشرة حول المملكة، وهناك عمليات نوعية أجريت في المملكة مثل: الجراحات المنظارية الروبوتية في استئصال الأعضاء وزراعتها، كالكُلى والكبد، وبالنسبة للكبد تعد تلك العملية الأولى من نوعها على مستوى العالم.
وتواؤمًا مع التحول الحكومي، خاصة فيما يحقق التحول الرقمي وضمن مستهدفات التحول الصحي المنبثقة من رؤية المملكة 2030؛ أطلق المركز منصة أثر الإلكترونية، وهي -وفق ما يذكره منسق زراعة الأعضاء الإكلينيكي الدكتور حازم جوخدار- قاعدة بيانات موحدة لحوكمة إجراءات التبرّع وزراعة الأعضاء، حيث أطلقت المرحلة الأولى منها في 7 يناير 2024م، وتقوم المنصة بعديد من المهام منها: رقمنة إجراءات التبرّع وسلسلة إمداد الأعضاء، وتوظيف الذكاء الاصطناعي في عملية مطابقة الأنسجة بين المتبرّع والمتلقي المحتمل؛ لتحقيق الوصول السهل للإجراء العلاجي، وتحقيق تكافؤ الفرص في الحصول على الخدمات، وحساب مؤشرات الأداء لرحلة التبرّع وزراعة الأعضاء، وإمكانية الربط الإلكتروني والتكامل مع الأنظمة المعلوماتية الصحية، إضافة إلى متابعة حالة التبرّع من وقت تبليغ الحالة حتى إنهاء إجراءات مزايا المتبرّعين بصورة رقمية، دون الحاجة إلى تعاملات ورقية أو الحضور لمقر المركز، وذلك لتقديم خدمة ذات قيمة مضافة للمتبرعين.
وفيما يتعلق بتسلسل متابعة الحالات لدى المركز السعودي لزراعة الأعضاء -وفق ما يقوله منسق زراعة الأعضاء الإكلينيكي الدكتور خالد الروقي-؛ فإن البداية تكون بتسلُّم البلاغ، من أحد المستشفيات التي تتوافر فيها حالة التبرّع، للإبلاغ عن وجود حالة اشتباه في وفاة دماغية، وبعد استقبال البلاغ تبدأ عملية المتابعة من خلال الأطباء الموجودين والمتابعين للحالة، حيث يتم التأكد منهم عن مجرى عملية تشخيص الوفاة الدماغية.
ولتشخيص الوفاة الدماغية في المملكة العربية السعودية -بحسب ما يذكره رئيس اللجنة الوطنية للوفاة الدماغية رئيس وحدة الأعصاب بمستشفى قوى الأمن الدكتور فيصل السويدان-؛ فإنه يتطلب إثبات وفاة كامل الدماغ، وليس جذع الدماغ فقط، كما هو معمول به في بعض الدول، ويلزم لذلك أن تكون دقة التشخيص بنسبة 100%، لعدم قبول الخطأ أو القصور في تشخيص الحالة، ويتم ذلك عبر تطبيق البروتوكول السعودي لتشخيص الوفاة الدماغية، وهو من أكثر البروتوكولات صرامة في العالم، ويحدّث بشكل دوري، ويضاف إليه أهم المعطيات العلمية الحديثة من أدوات التشخيص والمدد الزمنية اللازمة لحصول الإثبات واليقين، ويتم كذلك باستخدام الفحوصات المتقدمة لإثبات انقطاع الدورة الدموية عن الدماغ وانعدام النشاط الكهربائي لخلايا الدماغ. وهذه الفحوصات تعد تأكيدية وليست اختيارية كما يجري في بعض الدول، ويدل ذلك على حرص المسؤولين والأطباء والعاملين في المستشفيات على عدم قبول أي خطأ في عملية تشخيص الوفاة الدماغية داخل المملكة.
وبعد التأكد من تشخيص الوفاة الدماغية، يتم التنسيق لمقابلة ذوي المتوفى في المستشفى، حيث يحضر اللقاء أطباء العناية المركزة للمشاركة في الحوار، ويكون الفريق الطبي على أتم الجاهزية للإجابة عن جميع استفساراتهم.
ويحرص المركز السعودي لزراعة الأعضاء على التأكد من سلامة الأعضاء بدءًا من متابعة الحالة، عند التبليغ بها، إلى أن تتم موافقة ذوي المتوفى بالتبرّع، وكذلك سلامة المستفيدين بعد عملية زراعة الأعضاء، وهو أمر مهم جدًا؛ لأن الهدف من الزراعة هو تحسين جودة الحياة لمرضى الفشل العضوي.
يقول مدير سلسلة إمداد الأعضاء في المركز السعودي لزراعة الأعضاء أحمد الجعفري: "من ضمن الإجراءات التي يعمل عليها المركز، إجراء تحاليل مخبرية وفحوصات للمتبرّع، وذلك للتأكد من سلامة الأعضاء وعملها بشكل مناسب، من ثم يتم اختيار المريض، أو المستفيد المناسب والذي يكون في أشد الحاجة لزراعة هذا العضو".
ويتولى المركز مهمة التنسيق مع المستشفيات التي يوجد فيها المتبرّع، بحيث تتم عملية ترتيب غرف العمليات وقت وصول الفرق الطبية، وفي حال وجود الحالة خارج مدينة الرياض يتم التنسيق مع مركز الإحالات الطبية في وزارة الصحة؛ لتأمين طائرات مجهزة لنقل الفرق الطبية للمدينة التي يوجد فيها المتبرّع، أو إلى إحدى دول الخليج.
وفيما يتعلق بالوقت المستغرق بين الاستئصال وعملية الزراعة، فإن ذلك يتم -بحسب ما يقوله الجعفري- في وقت قياسي جدًا، فبعد الاستئصال تحفظ وتنقل بعناية كبيرة، وتزرع بأسرع وقت ممكن، وذلك لأهمية عامل الوقت لصلاحية الأعضاء بعد الاستئصال، وعلى سبيل المثال لا تتجاوز مدة زراعة القلب منذ لحظة الاستئصال إلى عملية الزراعة، 4 ساعات، والرئة 6 ساعات، والكبد 12 ساعة، بينما تراوح المدة الزمنية للكليتين بين 24 و48 ساعة، ويقوم المركز بالتنسيق مع فرق الاستئصال وإيصال الأعضاء لمراكز الزراعة في مدة قياسية ما بين 4 - 6 ساعات.
وتوجد اتفاقية بين المركز السعودي لزراعة الأعضاء ودول الخليج، بخصوص استقبال بلاغات التبرّع بالأعضاء، ويتم بعد ذلك التنسيق مباشرة مع مراكز الزراعة وتسلُّم بيانات الجرّاحين والمنسقين والتمريض الذين سيشاركون في العملية، كما يتم التنسيق مع الإخلاء الطبي، والجوازات والجمارك، وأمن المطارات، لإجراء عملية النقل، وكل ذلك يتم في أقل من 12 ساعة، لأنّ عامل الوقت هو الأساس في هذه الحالات.
وبخصوص التبرّع من شخص حي إلى شخص آخر مصاب بفشل عضوي؛ يقول استشاري أمراض وزراعة الكلى رئيس اللجنة التنفيذية لزراعة الأعضاء بالإدارة العامة للخدمات الصحية في وزارة الدفاع الدكتور سلطان الدلبحي: "إن عملية التبرّع بالأعضاء عملية آمنة، ونشهد حاليًا عودة المتبرّع لممارسة حياته الطبيعية بعد عملية التبرّع من أسبوعين إلى شهر، وبجودة حياة مماثلة للشخص غير المتبرّع، وعلى المتبرّع الالتزام بتعليمات الطبيب الجراح خلال فترة التشافي والتئام الجروح مع المحافظة على وزن مثالي ونمط الحياة الأمثل، فيما يعود المتبرّع له إلى ممارسة حياته ومزاولة الأعمال في مدة تراوح بين شهر و45 يومًا بعد عملية الزراعة.
ولا تسمح الأنظمة والتعليمات المنظمة لعمليات التبرّع بالأعضاء البشرية في المملكة -بحسب الدكتور الدلبحي- بالتبرّع بأكثر من عضو من متبرّع واحد، وذلك حفاظًا على سلامة المتبرّع وصحته، وجودة العضو المزروع بعد الزراعة.
وبحسب بيان صادر من الأمانة العامة لهيئة كبار العلماء بالمملكة؛ فإن التبرّع بالأعضاء ليستفيد منها الآخرون من العمل الصالح الذي اتفقت الهيئات والمجامع العلمية الشرعية على عظيم أجره، وهو داخل في مشمول استبقاء الحياة والمحافظة عليها، التي هي من أعظم مقاصد ديننا الحنيف، وعلى هذا المقصد تدور شرائع متنوعة في الدين الإسلامي، وفي ذلك يقول الله -جلَّ شأنه-: { وَمَنْ أَحْيَاهَا فَكَأَنَّمَا أَحْيَا النَّاسَ جَمِيعًا}، كما أن هذا التبرع من الإحسان الوارد في قول الله -عزّ وجلّ-: { وَأَحْسِنُوا إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُحْسِنِينَ}.
والأمر بالإحسان في الآية الكريمة يشمل جميع أنواع الإحسان، ومن أعظم أنواعه: أن يكون الإنسان سببًا -بإذن الله تعالى- في استبقاء حياة إنسان آخر، أو في التخفيف من آلامه، أو في الشفاء من مرضه.
ومقاصد الشريعة الإسلامية -بحسب بيان الأمانة- كفيلة بتحقيق كل ما هو خير ومصلحة راجحة للفرد والجماعة، والتي تدعو إلى التعاون والتراحم، وتحثُّ على التبرّع بالأعضاء بعد الوفاة، وتعدُّه نوعًا من التكافل بين أفراد المجتمع، وذلك داخل في مشمول قول النبي -صلى الله عليه وسلم-: "مثَل المؤمنين في توادِّهم وتراحمهم وتعاطفهم، مثَل الجسد إذا اشتكى منه عضوٌ تداعى له سائر الجسد بالسهر والحمَّى".
يقول المستشار بالديوان الملكي عضو هيئة كبار العلماء الشيخ الدكتور عبدالله بن محمد المطلق: "التبرّع بالأعضاء موضوع مهم وحيوي يتعلق بإحياء أنفس وإسعاد أنفس، وهذه العمليات أصبحت مشاهدة في كل المجتمعات، ونجاحها أصبح ظاهرًا معروفًا، واستفادت منها أسر كثيرة، وهي من نِعم الله على الناس في هذا العصر، الذين شهدوا قول الله تعالى: {وَمَنْ أَحْيَاهَا فَكَأَنَّمَا أَحْيَا النَّاسَ جَمِيعاً}.
وحالات التبرّع بالأعضاء -وفق ما يوضحه الشيخ المطلق- تكون على إحدى الصور التالية: الأولى: هي التبرّع من حي إلى حي، وهذا في الأعضاء التي لا تؤثر في المتبرع، بحسب دراسات من منظمة الصحة العالمية، وواقع رآه الناس، وهي داخلة في قول المولى جلّ شأنه: {وَتَعَاوَنُوا عَلَى الْبِرِّ وَالتَّقْوَى وَلَا تَعَاوَنُوا عَلَى الْإِثْمِ وَالْعُدْوَانِ}.
والصورة الثانية من التبرّع: هي الوصية بالتبرّع بعد الوفاة الدماغية؛ بحيث يسجل الإنسان رغبته بالتبرّع بأعضائه التي يمكن الاستفادة منها. وهذه الأعضاء قد استفاد الناس منها وظهرت آثارها، وهي صدقة جارية وعمل صالح، وهي من الإحسان والله يحب المحسنين.
يقول الشيخ المطلق: "قارنا بين شخصين قريبين أحدهما تبرع بأعضائه واستفاد منها نحو عشرة أشخاص، وآخر لم يتبرع ومنع ذلك، وبالتالي تلفت أعضاؤه بعد دفنه، فلم يستفد الميت ولم يستفد الناس ولم تكن عملًا صالحًا يتقرب به إلى الله، ويسجل في حساب هذا المتوفى. ولقد تحدثتُ مع أحد المشايخ الكبار وقال لي إن هذه القرنية التي في عيني الآن زُرعت لي، وأشكر الله -جل شأنه- على هذه النعمة التي أنعم الله بها عليّ، بأن وُجد لي بصر وأصبحت أرى وأقرأ، وكنت قبل ذلك لا أستطيع القراءة...".
والصورة الثالثة: هي أن يتبرّع أولياء المتوفى دماغيًا؛ بأن تؤخذ الأعضاء التي يستفاد منها، وتُعطى إلى مَن هم في حاجة ماسة إليها. وهنا يؤجر المتوفى بهذا العمل لأنها أعضاؤه، ويؤجر وليّه الذي تبرّع بها، ويسجل ذلك لهم من الصدقات الجارية التي تستمر مدة الاستفادة منها، وقد تتجاوز عشرات الأعوام، وهذا عمل شريف وافر الأجر ينبغي أن نتذكره ونحث عليه.
وكان للقيادة الرشيدة -أيدها الله- القِدْح الـمعلَّى في دعم المركز السعودي لزراعة الأعضاء، من خلال تسجيل خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان بن عبدالعزيز آل سعود، وصاحب السمو الملكي الأمير محمد بن سلمان بن عبدالعزيز ولي العهد رئيس مجلس الوزراء -حفظهما الله-، في برنامج التبرّع بالأعضاء في مايو 2021م.
تأتي هذه البادرة المعهودة وغير المُستغربة، في إطار ما يحظى به مرضى الفشل العضوي النهائي من عناية بالغة من لدُن خادم الحرمين الشريفين، وسمو ولي عهده الأمين، وتشجيعًا من القيادة لعموم المواطنين والمقيمين على التسجيل في البرنامج؛ لما له من أهمية بالغة في منح الأمل للمرضى الذين تتوقف حياتهم على زراعة عضو جديد، امتثالًا لقول الله تعالى: {وَمَنْ أَحْيَاهَا فَكَأَنَّمَا أَحْيَا النَّاسَ جَمِيعاً}.
ونتج عن هذه البادرة -بحسب المدير العام للمركز السعودي لزراعة الأعضاء- ارتفاع أعداد المسجلين في البرنامج من 50 ألفًا إلى أكثر من 500 ألف متبرّع في نهاية عام 2023م.
تقول السديري: "أنا عشت تجربة التبرّع، وكانت فعلًا شعورًا رائعًا، بين العطاء والوفاء والرضا والتكافل الذي حثّ عليه ديننا الإسلامي، وبين نيل الأجر -بإذن الله- من رب العالمين، فكيف إذا كان التبرّع لشخص قريب منك ويهمك أمره".
وها هي السديري -المستشارة في العلاقات الإعلامية الدولية- بعد مضي أكثر من عقدين ونيّف على تبرّعها، تعيش حياة طبيعية، كما أن سعادتها لا توصف بمشاهدة ابنتها التي منّ الله عليها بالشفاء بعدما تبرّع متوفى دماغيًا بأعضائه التي أنقذت ابنتها وأنقذت مرضى آخرين، وهي تدعو له في كل وقت وحين، وأصبحت تحثّ الناس في كل محفلٍ على المبادرة بالتسجيل في برنامج التبرّع بالأعضاء.
وتفاعلًا مع التسجيل في برنامج التبرّع بالأعضاء، يقول الشيخ المطلق: "أنا من الذين سارعوا إلى دعم الذين يدعون الناس للتبرّع سواء من الأحياء للأحياء أو من الأموات إلى الأحياء.. وقد سجلت في مضمار التبرّع بالأعضاء بعد الموت. ونحن حينما ندعو الناس إلى هذا الأمر كنا من أول المبادرين إلى التبرّع والاعتزاز به".
وتعد زراعة الأعضاء الحل الوحيد لمرضى الفشل العضوي النهائي، ومن هنا تنبثق أهميتها في تقليص قوائم انتظار المرضى الذين ليس لهم حل أو أمل في العلاج، بعد مشيئة الله؛ إلا من خلال إجراء عملية زراعة عضو جديد لهم.
ويستطيع الأشخاص التسجيل في برنامج التبرّع بالأعضاء من خلال الدخول على منصة توكلنا، وبعدها اختيار الخدمات، والذهاب إلى التبرّع بالأعضاء ثم الموافقة على الشروط، والتوصية، ويمكن للمبادر بالتسجيل التراجع عن تسجيله، إضافة إلى إمكانية تحديد الأعضاء المراد التبرع بها، أو التبرع بجميعها.