بكل عنفوان شغفهما بكرة القدم وفخرهما بأداء منتخبهما الوطني في كأس العالم الأخيرة بدولة قطر؛ كان للمغاربة: "زكريا الزيرك"، و"عبدالله الدغري"، إضافة إلى "صلاح الدين متعبيد"، و"محمد الهبطي"؛ أداء لافت في التغني بالقرآن، استحوذ على قلوب ملايين المتابعين لرحلتهم التي توجتها قرارات لجنة التحكيم بتصدرهم نهائيات برنامج "عطر الكلام"؛ إحدى مبادرات الهيئة العامة للترفيه في نسختها الثانية.
ومن خلال مسيرتهم التنافسية مع عشرات الآلاف من قراء 165 دولة، استطاع المتسابقون المغاربة أن يثبتوا عبر منصة "عطر الكلام" قدراتهم المذهلة التي تنبئ عن "امتلاك الصنعة في حسن الأداء والخط النغمي"، كما يصفها الشيخ البهلول أبو عرقوب.
اقترن "زكريا الزيرك" بتلاوة القرآن منذ بلوغه سن الخامسة، حين كانت ولا زالت والدته تدفعه وتسنده وتحيطه بالدعوات ليركز على دفتي المصحف يتلو آياته آناء الليل وأطراف النهار، ينقلها من السطور إلى صدره، ويحيكها بنغم أفضل المجودين والمرتلين.
عَرف "الزيرك"، الذي حاز المركز الثالث، أثر القرآن في حياته فارتبط به، واتجه في منتصف عقده الثاني لمنافسة أفضل الأصوات على مستوى العالم، متغلبًا على خجله الذي كان يمنعه من القراءة في المجالس العامة، واستفاد من حنكة أخيه الأكبر وسيره على نهجه، فكسر حاجز مخاوفه ليؤدي على مسامع ملايين المشاهدين آيات القرآن، ويكسب إعجاب المحكّمين المتخصصين في القراءات والأصوات والمقامات.
عاش "الزيرك" حياة مفعمة بالقرآن حتى أصبح معلمًا في حلقات الحي، وحين يجد متنفسًا يتجه لكرة القدم التي يهواها، فيمارس مهاراته فيها مع أقرانه، كما يتخذ من الإنشاد هواية أخرى تتمرّس فيها حباله الصوتية على أداء المقامات، معترفًا بأن أكبر همه ألا يقال فقط بأنه قارئ، وأن يكون القرآن منهج عمل لحياته دائمًا وأبدًا وشفيعًا له في الآخرة.
وفيما كان "الزيرك" يميل لمقام النهاوند محبرًا به صوته وأداءه، يجيد زميله "عبدالله الدغري" المتحصل على المركز الرابع في القرآن، العديد من المقامات، لكنه يفضل الأداء بـ"البيات"؛ لما يحتويه من تصوير نغمي وبياني كما يقول، مستذكرًا أثر والديه وحرصهما على إرساله للكتاتيب في الحي لإجادة حفظ القرآن وتجويده.
ارتبط "الدغري" منذ ختمه القرآن في الخامسة عشرة من عمره، بإمامة المصلين، فقد اغرورقت عينا والديه فرحًا بأدائه حينها، ومنذ ذلك المشهد وهو نزيل المحراب يتعاقب الصلوات، يجوّد ويرتّل ويحدر بالقرآن حتى تضاعف المعجبون بأدائه وذاع صيته بين الناس.
انحدر "الدغري" من بيئة غير ناطقة بالعربية، لكنه أجاد القرآن في سن مبكرة مترددًا بين المشايخ والقراء، ينهل منهم التجويد وعلوم القرآن، وحين ناهز منتصف عقده الثاني أصبح إمامًا ومدرسًا بمدينة مراكش المغربية، ليواصل مسيرة حملته لأصقاع الدنيا، وجعلته أحد المتصدرين لنهائيات "عطر الكلام"؛ المسابقة العالمية التي تستهدف المواهب الصوتية المميزة في تلاوة القرآن ورفع الأذان.
اجتمع المغربيان "الزيرك" و"الدغري" مع مواطنيهما الأوروبيين الفائزين بالمركزين الخامس والسادس، صلاح الدين متعبيد الذي يحمل الجنسية الألمانية، والهبطي الحامل للجنسية الإسبانية، في جودة الأداء القرآني الرفيع، لكنهما يجدان الوقت الكافي لمسايرة شغفهما برياضة كرة القدم؛ ليشكلا بذلك فريقًا مغربيًّا فرديًّا يلهم العالم بقدراته، كما فعل "أسود الأطلسي" بالساحرة المستديرة على المستطيل الأخضر.