كلما جاء مسؤول إلى تلفزيوننا الوطني كتبت مقترحا وشارحا وفرحا وربما حتى متألما وحزينا من تجربة تلفزيوننا المحلي منذ سنوات طويلة وها أنا ذا أعود اليوم كي أتصل بالزميل علي الحازمي رئيس تحريرنا المميز ممررا له هذا المقال مع أنني سبق وكتبت إلى العزيز داوود الشريان والذي لم أعرف إذا كان مهتما بما كتبته أو متجاهلا له فلم نتواصل بخصوص ذلك المقال، مع أنني توقعت أن يستفسر ويستفهم بسؤالي بعد خبرة تزيد عن خمسة وعشرين عاما في صناعة الإنتاج التلفزيوني ولا ضير فيما حصل فلا يعنيني الآن سوى أن يتطور تلفزيوننا وأرى أن هذا قد بدأ الآن فعلا .. ولكن للحق فإنني أرى كغيري أن هناك هجوما قاسيا يواجهه رئيس هئيه الإذاعة والتلفزيون داوود الشريان في قراراته واستراتيجيته دونما مبرر منطقي بل هو بشعارات مريضة وقديمة نسمعها منذ أكثر من عشرين عاما .. وأقول لكم وبأمانة شديدة إن استمرت محاربة هذا الرجل بهذا الشكل الدنيء وأحياناً الشخصي فسيخسر تلفزيوننا فرصة ذهبية ومهمة في التغيير الحقيقي، فللشريان وهج قوي وحضور يمكن توظيفه لصالح التطوير وهذه كلها عوامل تضاف إلى تجربته المهمة في الإعلام طوال ثلاثين عاما شاهد فيها الصح ويمكنه أن يطوره وشاهد الخطأ ويستطيع أن يتفاداه وقد يقرر الشريان في لحظة أن يستقيل ويرحل بهدوء ويعود إلى عالمه كمذيع ناجح، وهذا سيجعلنا نعود إلى للمربع الأول الذي كان يعيشه تلفزيوننا .. وبصراحة أشعر أنها حملة يقف وراءها في الغالب من يخافون من التغيير ومن يؤمنون أن الأشياء بلا ثمن.
دعوني أقول لكم بكل حب ومن خلال تجربة طويلة مع التلفزيون السعودي إن ما يتم الآن داخل الهئية يحتاج إلى صبر وثقة وإيمان منا جميعا كصناع وكمشاهدين ما يحدث الآن ليس عمليات تجميل سطحية بل عمليات جراحية عميقة تهدف ليس فقط إلى المحافظة على حياة مؤقتة للتلفزيون بل هي تطويرية وحقيقية ونشعر بها بشكل واضح فكل ما يتم الحديث حوله الآن هو ما نحلم به من سنوات ونتألم كوننا نعيشه خارج بلادنا مع قنوات أخرى نبني معها المشروع خطوة بخطوة حتى نصل به كفريق عمل واحد إلى الإتقان في حده الأقصى الممكن والمتاح على أسس اقتصادية عادلة ..ولعل أكبر تجربة عشت فيها بناء مشروع تلفزيوني من الصفر في وقتها كانت إنتاجنا لمسلسل الملك فاروق في مصر قلب صناعة الإنتاج التلفزيوني العربي وعش الدبابير، وكان هذا المسلسل لصالح قناة إم بي سيوعشنا حتى اكتمال المشروع ولم نشعر للحظة أن إم بي سي هي فقط العميل بقدر ما شعرنا أنها شريك يرغب في النجاح الإبداعي والاقتصادي أيضاً .. فلا يجب أن ننسى أن صناعة المحتوى هي مشروع اقتصادي إبداعي يجب أن يخضع لمعايير السوق العادلة وأن فشل الإنتاج اقتصاديا يعني عدم استمرار حالة الصناعة التي نتفائدءل الآن أن الشريان يتبناها وهو العقل القادر والمطلع بتجارب مهمة سابقة رأى بعيينيه كيف يتم بناء المحتوى بالشكل الصحيح ..نحن في شركة الصدف ربما أكبر شركة عربية أنتجت على مستوى الوطن العربي وتجاوزت أعمالنا 264 عملا حتى اليوم وهذا بالمعايير المنطقية يجعل كثيرا من الزملاء يقول لي بمحبة أنتم لا تحتاجون التلفزيون السعودي فالقنوات التي تتعاملون معها إم بي سي وأبوظبي ودبي وغيرها تغنيكم عن التلفزيون ولكن الأهم الذي يجب أن يؤمن به الجميع هو أن تطور التلفزيون السعودي وحرصه على تقديم محتوى منافس بمعايير إنتاجية عالية تليق بأسم المملكة هو الخيار الأفضل لنا جميعا ويجب أن نساند هذه الخطوات حتى وإن شابتها بعض الأخطاء فهذه طبيعة العمل الحقيقي والجاد .. نريد أن نرى شبكة قنوات سعودية وبمختلف اللغات تليق بمكانة بلادنا وهي من دول العشرين الأكثر تأثيرا في العالم .. نريد تلفزيونا يليق بقوة المملكة كقبلة للمسلمين في كل مكان، ولكن عادلين فكلنا يعلم ويعرف أن التلفزيون بوضعه الحالي لا يعكس قوة وتأثير بلادنا ولا حل إلا بالتغيير الذي غالبا ما يأتي قاسيا وحادا ومؤلما ..كل المؤشرات تقول إن دواوود الشريان ذاهب بصناعة التلفزيون إلى مكان حقيقي يتوافق مع سمعة وقوة وتأثير بلادنا وأثق جيدا أنه يعلم أن النجاح ليس في قرارات فردية فهذه ليست عقلية الشريان الذي اعتاد العمل مع فريق وكل برامجه ونجاحاته جاء من عمل جماعي فهو من أكثر المؤمنين بالعمل الاستراتيجي المنظم ولذلك أشعر كغيري بثقة أننا على الطريق الصحيح.
ما أتمناه على زملائي من المنتجين والمفكرين والكتاب والإعلاميين ومن المشاهدين مساندة هذا المشروع التنويري الأهم في تاريخ إعلام بلادنا ولعل ما يحدث الآن من تغييرات يعيد تلفزيوننا إلى ما كان عليه من قوة إعلامية ضاربة ومؤثرة كانت تحصد أكثر من نصف مليار ريال من السوق الإعلاني وعندما لم يواكب المتغيرات تراجع إلى أرقام قليلة جدا وأعرف أن مشروع تطوير شبكة قنوات السعودية هو هدف وطني لصناعة محتوى إعلامي سعودي ينقل حضارتنا وتاريخنا ويحكي للعالم قصصنا ونجاحات شبابنا ومع هذا أؤمن أن معايير السوق هي المعايير العادلة التي ترسم الاستمرار .
وددت أن أنهي مقالي بدعوة للتفكير (كم ساندت مثلا شبكة قنوات الجزيرة حكومة قطر أمام العالم حتى وهي تشوهنا بأخبار ومعلومات كاذبة ولكن صوتها بالعربية والإنجليزية يصل إلى العالم، نريد أن نكون موجودين ومؤثرين، بلادنا الأقوى والأهم والأكثر تأثيرا).
وشكرا للجميع.