يذكّرنا قدوم شهر رمضان بذكرى انطلاق رائد الفضاء العربي المسلم الأول الأمير سلطان بن سلمان بن عبدالعزيز كأحد رواد مكوك الفضاء الأمريكي "ديسكفري" وذلك يوم 29 رمضان (17 يونيو) في رحلته التي استمرت 7 أيام قبل 36 عاماً.. ليسجل ولأول مرة في التاريخ قيام إنسان بالصوم والصلاة وختم القرآن الكريم في الفضاء.
وإذا كان رمضان يرتبط مع المسلمين بصيام نهاره وقيام ليله وتلاوة القرآن الكريم، فهل فكرت كيف تؤدي الصيام وأنت تحلق في الفضاء، وحيث تنعدم الجاذبية الأرضية؟ وكيف تصلي وتقرأ القرآن؟ ورغم أن الشهر الكريم يحل علينا هذا العام وقد فاجأنا وباء "كورونا" ليفرض علينا الحجر في منازلنا، ويمنعنا من ممارسة فروضنا وصلاة سنة التراويح في المساجد لنصليها في المنازل.
ويروي لنا الأمير سلطان تجربته مع الصيام والصلاة وتلاوة القرآن خلال رحلته الشهيرة للفضاء، في كتابه "7 أيام في الفضاء" والذي يسجل فيه تفاصيل الرحلة كاملة، ويشير إلى أنه وبتوفيق من الله مارس كل هذه الشعائر فكان أول يوم له في الفضاء يوافق يوم 29 من رمضان، ورغم أنه بلغته فتوى من الشيخ عبدالعزيز بن باز -رحمه الله- مفتي المملكة في ذلك الوقت بأن الأولى الفطر للسفر والقضاء بعد العودة إلى الأرض.
وقال الأمير سلطان إنه فضل الصيام، خصوصاً وأنه كان محافظاً على الصيام أثناء فترة التدريب والإعداد للرحلة في مركز التدريب بمركز جونسون بمدينة هيوستن، والذي كان يترافق مع شهر رمضان، كما أن وكالة الفضاء والطيران الأمريكية "ناسا" (المسؤولة عن الرحلة) كانت قد أبلغته خلال فترة التدريب، أنها ستراقبه صحياً وزميله الرائد الاحتياطي عبدالمحسن البسام خلال الأسبوع الأول من التدريب في رمضان، ولو ظهر عليهما أعراض تدهور صحي فلا بد من توقفهما عن الصيام، لكن مرّت الفترة دون مشاكل، ومن ثم سمح له بالصيام في الفضاء.
وتابع الأمير سلطان أنه كان سعيداً لتوفيق الله له ولزميله الاحتياطي بصيام الشهر كاملاً دون معاناة أو إصابتهما بتوعك صحي، لافتاً إلى أنهما كانا أحياناً يستيقظان بعد الفجر من كثرة الإرهاق، ومن ثم لا يتمكنان من تناول طعام السحور، ويكملان صيامهما، كما كانا حريصين على أداء الصلوات وتلاوة القرآن طيلة الشهر.
وعن صيام أول يوم في رحلة "ديسكفري"، والتي كانت تسبح في الفضاء على ارتفاع 387 كم فوق سطح الأرض يقول الأمير سلطان إنه شعر كثيراً بالإجهاد؛ بسبب قلة النوم، وحالة انعدام الجاذبية، وشعوره بالجفاف الشديد، وفقدانه للسوائل، ولفت إلى أن صيامه في الفضاء كان حسب تقويم ولاية فلوريدا التي انطلق منها المكوك.
أما عن الصلاة فقد أوضح الأمير سلطان أن آخر ما فعله قبل استقلاله المكوك لانطلاق الرحلة هو أداء صلاة الفجر، ثم دعا لكل أحبابه ولعامة المسلمين ولطاقم المكوك، كما دعا بأن يوفقه الله في هذه المهمة الشاقة للفضاء والمحفوفة بالمخاطر والمجهول والمفاجآت، وأن يكون عند حسن ظن كل من وضع ثقته فيه للقيام بهذه المهمة، ووصف مشاعره بعد أن أدى الصلاة بقوله: إنه كان مفعماً بالتفاؤل، والشعور بالسكينة والطمأنينة.
أما بالنسبة للصلاة في الفضاء فقد كان يؤديها في أوقاتها داخل المكوك، وكان عليه أن يثبت قدميه في مثبت خاص حتى لا يسبح داخل المكوك نتيجة انعدام الجاذبية، لكنه أوضح أنه لم يكن يستطيع السجود كاملاً بل الركوع فقط، وفسّر ذلك بأن السجود يكون صعباً، ويصيب بالدوار لانعدام الجاذبية.
وعن تلاوة القرآن خلال الرحلة أوضح الأمير سلطان أنه قبل أن يتوجه للمكوك، وضع مصحفاً صغيراً في جيب ساق البنطلون ليسهل عليه إخراجه وقتما أراد، وقال إن الله وفقه لختم القرآن خلال 5 أيام فقط من الرحلة، حيث كان يستغل أوقات الفراغ بعد الانتهاء من المهام اليومية مثل التجارب العلمية والتصوير ومتابعة إطلاق القمر العربي عربسات، وساعات النوم حيث كان يكفيه 6 ساعات بدلاً من 8 ساعات وفقا لجدول "ناسا".
ويذكر الأمير سلطان أنه بكى تأثراً عندما أخبر والده خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان بن عبدالعزيز في المكالمة الهاتفية التي أجراها معه في الفضاء، معبراً بكلمات مؤثرة عن سعادته بختمه للقرآن، كما كان يصطحب معه أشرطة مسجلة للقرآن الكريم يستمع إليها قبل النوم لينعم بالراحة والطمأنينة، وأنه كان وهو يقرأ الآيات يستوقفه الكثير منها مما تتحدث عن عظمة الخالق وسر الخلق والكون، فكان ينظر حينها من نافذة المكوك ليتأمل عظمة الخالق في كونه الفسيح.