دعا الباحث الأنثروبولوجي، الدكتور معتوق الشريف، عبر "سبق"، إلى الاهتمام بالأكلات الشعبية؛ باعتبارها حقًّا من حقوق الشعوب، وجزءًا لا يتجزأ من العادات والتقاليد الشعبية في أي بلد.. وقال: "الأكلات الشعبية تعد أهم تراث ثقافي غير مادي، وهي القاسم المشترك لكل فئات المجتمع التي تلتقي عند أنواع متعارف عليها من الأكل، توارثتها الأجيال جيلاً بعد جيل بكل ما رافقها من عادات وتقاليد في طريقة صنع الأكل".
وأضاف: "علينا استثمار أيام الحج في نشر ثقافة سياحة الطعام".
ولفت الدكتور الشريف إلى أن الثقافة المرتبطة بالأكلات الشعبية تنقسم إلى قسمين: الأول خاص بالثقافة الذاتية للفرد، التي من خلالها يتحدد المستوى الثقافي والمعرفي للفرد؛ إذ إن نمو الوعي الثقافي والاجتماعي أدى إلى زيادة الرغبة عند العديد من الأفراد لزيارة أماكن كثيرة وبلدان عديدة؛ للاطلاع على العادات والتقاليد والثقافات المختلفة؛ وهو ما دفع الأفراد إلى القيام بالرحلات السياحية؛ ومنه نستنتج أن هناك علاقة طردية بين المستوى الثقافي للفرد والطلب السياحي، والعكس.
أما القسم الثاني فأشار إلى أنه خاص بالثقافة الظاهرية، وهي من إبداعات الإنسان المنتشرة في المجتمع، التي تعمل على استقطاب السياح، من خلال ما تحتويه من إنتاجات ثقافية، تُعتبر من العوامل المشجعة لاكتشاف ثقافة الشعوب. ويُعتبر الأكل الشعبي جزءًا من الموروث الثقافي الذي ينتمي للثقافة الظاهرية؛ لذلك فإن الحفاظ عليه واجب، والحرص على حضوره وديمومته أمر مطلوب؛ فهو ليس مطلبًا لإشباع الجوع فقط، بل هو مطلب مهم للحفاظ على الإرث الثقافي الذي يعبِّر عن حياة مجتمع، وعاداته، وتقاليده، وتاريخه.. لذا فهو أحد عوامل استقطاب السياح.
وقال الدكتور الشريف: "وجدت الأكلات الشعبية في الأعوام الأخيرة إقبالاً كبيرًا من الشباب، والسياح خاصة؛ وذلك نتيجة انتشار ثقافة سياحة الطعام (أن تسافر لتأكل وتتذوق). وحرص بعض الأهالي على توفير الأكل الشعبي؛ لأن معدة السائح أقرب طريق لجذبه إلى زيارة مكان ما".
وأضاف: "هذا ما لاحظناه أكثر في الفعاليات الرمضانية، والمهرجانات العامة، والمزارع السياحية؛ فالجميع في هذه المناشط وفَّر للسياح جزءًا من الأكلات الشعبية تلبية لرغبات زبائنهم. وأجمل ما في ثقافة سياحة الطعام هو التواصل مباشرة مع المجتمع المحلي المستضيف، والعلاقات التي تنشأ بينهم خلال التعارف على ثقافات بعضهم. فمثلاً: الحديث عن طريقة صناعة الأكلات الشعبية، والتوابل المستخدمة، وكيفية تجهيزها.. وغير ذلك من الأحاديث".
وبيَّن الدكتور الشريف أن فترة أداء فريضة الحج فرصة سانحة لتقديم ثقافة الأكلات الشعبية، قائلاً: "الأكلات الشعبية هي وسيلة وواجهة ثقافية، تؤدي دورًا كبيرًا في الحفاظ على الموروث الثقافي، وانتشاره.. وهي عامل جذب واستقطاب مهم للسياح، وللسكان المحليين الذين يشدهم الحنين لأصالة أكلاتهم الشعبية، وهم ممتنون لحضورها في هذا العصر". مضيفًا: "من هنا نكتشف أن الطعام والثقافة ثنائية متلازمة؛ فالطعام يعمل على ربطنا بالأرض وتراثها وثقافتها وتاريخها".
وأشار الدكتور الشريف إلى أن حضور الأكل الشعبي في المجتمع ليس حفاظًا على الإرث الثقافي فقط، بل يمكن من خلاله تحقيق دخل مربح، وتوفير فرص عمل لجمع فئات المجتمع. مبينًا أن مساهمة الفنادق في تسويق الأكلات الشعبية؛ لتنشيط مجال السياحة واستقطاب السياح، أمرٌ مهم وملاحَظ في كثير من دول العالم؛ إذ يمكن من خلال هذا الأمر تحقيق دخل مادي وإرادات، وتدفُّق لرؤوس الأموال.
وقال: "الفنادق عليها دور كبير للتعريف بالثقافة المحلية، وتستطيع أن تكسب أكثر عندما تحرص على استقطاب السياح من خلال الأكلات الشعبية، مثلما تقوم به المزارع السياحية لتحقيق تنمية اقتصادية بتقنيات بسيطة".
وأضاف: "الأكلات الشعبية لها دور في تحقيق التنمية المحلية والتنمية الوطنية، من خلال برنامج رؤية السعودية 2030 الذي يحمل شعار (صُنع في السعودية)؛ فالسعودية تمتلك إرثًا ثقافيًّا غنيًّا، وثقافة شعبية متشبعة بالأصالة، استطاعت عبر النشاطات المختلفة الحفاظ على هذا الموروث الثقافي الضارب في عمق التاريخ".
وبيَّن الدكتور معتوق الشريف/ صاحب مشروع (منهج معتوق لقيادة التعليم)، أن "حضور الأكلات الشعبية في المشهد المعاصر يبيِّن لنا العمق التاريخي الثقافي لهذا المجتمع؛ إذ نستنتج من حضورها كيف استطاع المجتمع السعودي التكيف مع بيئته، وخلق مخزون ثقافي لنفسه، حقق من خلاله اكتفاءً ذاتيًّا حتى يومنا هذا. وكيف أن المطبخ السعوي الشعبي غني ومتنوع، اعتمد منذ القدم على المواد الأولية الموجودة في البيئة المحلية، واستطاع من خلال ما يقدمه من أنواع الأكلات الشعبية السعودية أن يكشف لنا عادات وتقاليد المناطق والمحافظات والهجر؛ وبذلك نضع أيدينا على جزء كبير من ثقافة المجتمع السعودي؛ فللأكلات الشعبية الفضل في الكشف عن العلاقة الطردية بين مستوى الوعي الثقافي للفرد والطلب السياحي، والعكس؛ فثقافة سياحة الطعام هي أحد أهم الجوانب الثقافية للأفراد؛ بوصفها طريقة فعالة لربط الاتصال بين الأرض وتراثها وثقافتها".
وقال الدكتور الشريف: "يعكس الأكل الشعبي النشاط الفكري، المادي والمعرفي، لحياة المجتمع؛ فهو يصوِّر الحياة الإنسانة والاجتماعية والثقافية من خلال كل جزء منه؛ فقد كان الأكل الشعبي على مدار الزمن يحمل ملامح العادات والتقاليد القديمة؛ لذا فقد ازدادت في السنوات الأخيرة تجارة المطبخ التي تنافس عليها الطباخون من أجل إبراز ثقافتهم على حساب ثقافة المجتمع وعاداته وتقاليده؛ لذلك شهدنا انتشار الأكلات العصرية والمهاجرة التي حرمت السائح من الأكلات الشعبية للمجتمع التي أصبحت ضرورة تنموية، أكدتها هيئة فنون الطهي عندما أطلقت مبادرتها (إرث مطبخنا)؛ لتشجيع وتحفيز ودعم المجتمع السعودي لحفظ وتوثيق الوصفات السعودية، وكذلك مبادرة (روايات الأطباق الوطنية وأطباق المناطق)؛ لتحقيق مستهدفات وزارة الثقافة في مشروع النهوض بالقطاع الثقافي السعودي، المتوائمة مع مستهدفات رؤية السعودية 2030 في جوانبها الثقافية والاجتماعية والتنموية".
وبيَّن الدكتور الشريف أن العديد من الاتفاقيات والمعاهدات والهيئات شجعت على الاهتمام وحفظ التراث الثقافي غير المادي، كالأكلات الشعبية للمجتمعات، مثل العهد الدولي الخاص بالحقوق الاقتصادية والاجتماعية والثقافية، واتفاقية حماية التراث العالمي الثقافي والطبيعي (باريس 1972)، ووثيقة (نارا) للحفاظ على الأصالة (اليابان 1994)، إضافة إلى منظمة اليونسكو، ومنظمة الإليسكو، ولجنة التراث العالمي (WHC)، ومنظمة التراث الثقافي بلا حدود، ومنظمة المدن العربية، ومركز الابحاث إرسيكا.
وقال: "تواجه الأكلات الشعبية -كتراث ثقافي- مخاطر عدة؛ لذا تبرز أهمية هذه المواثيق والمنظمات واللجان والهيئات محليًّا وعالميًّا للحماية؛ فالأكلات الشعبية تجسد هوية المجتمعات تاريخيًّا وحضاريًّا، وهي الشاهد على الحضارات القديمة، ورمز التواصل الحضاري الإنساني، والمدخل الرئيسي للتنمية الشاملة، وأحد الموارد المستديمة التي يمكن إعادة توظيفها واستثمارها بما يحقق عوائد مالية واقتصادية بصورة متوازنة ومستديمة، تسهم في تنمية التراث، وزيادة الوعي لدى المجتمع المحلي، وتحسين دخل الفرد، وخلق وظائف جديدة للسكان في المناسبات السياحية، أو عبر أشكال عدة من الفعاليات والمناسبات".