قبل أيام أُعلِنَ التقويم الدراسي الجديد المزمع تطبيقه في التعليم العام (العام القادم بإذن الله)، وسيصبح فيه العام الدراسي ثلاثة فصول دراسية بدلاً من فصلَين دراسيَّين. وعقب ذلك الإعلان كَثُر الحديث في أوساط المجتمع – وخصوصًا المعلمين وأولياء الأمور والطلاب - وانقسم الناس بين مؤيد لهذا التقويم الجديد، ومختلف معه، وبين من يدعو إلى تجريبه عامًا دراسيًّا على الأقل في عدد محدود من المدارس قبل تعميمه على نحو ستة ملايين طالب وطالبة ونصف مليون معلم ومعلمة.
ولأن الإنسان عادة يحب ما يألف، ويتعامل بحذر مع أي شيء جديد، كانت نسبة المتخوفين من تطبيق التقويم الجديد كبيرة.. وعلى الفور راحت تطرح تساؤلات كثيرة عبر منصات التواصل الاجتماعي. ومعظم هذه التساؤلات منطقية وجديرة بالطرح والتناول؛ فجميعها تنبع من دوافع وطنية، ومن حرص الناس على تعليم أبنائهم وبناتهم، وتوفير منظومة تربوية متميزة، تقدم للمجتمع مخرجات تعليمية على أعلى قدر من الكفاءة والتميُّز في مختلف المجالات؛ لأن أبناءنا وبناتنا من هذه المخرجات هم من سيتحملون المسؤولية في غضون سنوات قليلة، وسوف يقومون بتنفيذ جميع المحاور الطموحة لرؤية السعودية 2030.
وبادئ ذي بدء، لا بد أن نسجل إشادتنا بما حققته وزارة التعليم من نجاح في استمرار المسيرة التعليمية خلال جائحة كورونا، وشعورنا بالشكر والتقدير والامتنان لكل الجهود التي بُذلت من أجل تيسير التعليم عن بُعد لهذه الملايين من الطلاب والطالبات.
ولا يختلف اثنان على ضرورة الاهتمام بالتعليم في مملكتنا الحبيبة وتطويره؛ ليكون على المستوى المطلوب كمًّا وكيفًا. وينبغي أن نكون منصفين وموضوعيين في تعاطينا مع مسألة التعليم؛ لأنها مسألة مهمة وحيوية. ولا أعتقد أن هناك شكًّا في ضعف مستوى مخرجاتنا التعليمية في جوانب كثيرة بالرغم من الجهود الكبيرة التي تُبذل منذ عشرات السنين في مجال تطوير التعليم، سواء من حيث المناهج أو من حيث توفير البيئة التعليمية المناسبة، أو تطوير طرق التدريس، وغير ذلك من مختلف جوانب العملية التعليمية.
والسؤال المهم هو: ما أسباب ضعف مستوى المخرجات التعليمية؟ هل المناهج الدراسية ضعيفة وتقليدية؟ أم هي مكثفة ومليئة بالحشو غير المفيد؟ أم إن المشكلة هي في إعداد المعلم؟ أم إن البيئة الفيزيائية التي تتم فيها العملية التعليمية غير مواتية؟ أم إن المشكلة تكمن في الطالب الذي ينشغل بملهيات كثيرة عن التعليم؟ أم إن طرق التدريس عقيمة وتركز على الحفظ والاستظهار دون الفهم والتحليل والاستقراء والاستنباط ومختلف المهارات والعمليات العقلية الأخرى التي ينبغي أن نهتم بغرسها في عقل الطالب، وأن ندربه عليها؟
ومن الملاحظ كذلك ضعف إقبال الطلاب على دراسة المواد العلمية الحديثة، مثل الرياضيات والفيزياء والكيمياء وغيرها من العلوم.. ومن يتجهون إلى دراسة هذه المواد على قِلَّتهم لا يحققون نتائج كبيرة، وتبقى معدلاتهم متوسطة، وسرعان ما ينسون ما تعلموه عقب الاختبارات - وإن كان هذا موجودًا عند كل الطلاب، وينطبق على جميع المواد الدراسية وليس المواد العلمية وحسب - فهل المشكلة في الاختبارات وطرق وأساليب التقويم؟ أين تكمن المشكلة بالضبط؟!! وما طرق الحل؟!
الحق إن مسألة جودة التعليم وجودة مخرجاته مسألة معقدة وشائكة، وهي تؤرق التربويين والمسؤولين عن التعليم في جميع دول العالم، وليس في السعودية وحسب، ومن الأدبيات التربوية المشهورة في ذلك تقرير (الأمة في خطر) الذي أُعد حول التعليم في الولايات المتحدة الأمريكية في عهد الرئيس الأمريكي رونالد ريغان عام 1983م، وأعدته آنذاك اللجنة الوطنية للتميز التربوي، وكان هذا التقرير حدثًا بارزًا ومهمًّا في تاريخ التعليم الأمريكي.
ولكوني أحد أولياء أمور الطلاب، وانطلاقًا من شعوري الوطني وواجبي الأكاديمي، فإنني كغيري من أبناء هذا البلد نتمنى أن يصبح تعليمنا أجمل وأفضل منظومة تعليمية في العالم، وهذا يتأتى بفضل الله تعالى أولاً، ثم بفضل قيادتنا الرشيدة، وبالجهود الحثيثة التي تبذلها وزارة التعليم والقيادات التربوية والتعليمية؛ لذا نتمنى التريث في الأمر، والتأني قبل تنفيذ أية أمور ربما لم تتم دراستها بتأنٍّ وروية، وأن يتم أولاً تجريب أية أمور جديدة على نطاق ضيق قبل تعميمها على جميع مناطق السعودية، وهذا منهج علمي معمول به في جميع دول العالم المتقدمة.
كما نرجو ونتمنى المبادرة بدراسة مسألة تطوير التعليم بشكل شامل وموسع ومكثف من خلال لجنة وطنية، يتم تشكيلها وفقًا لأعلى المعايير العلمية الدولية؛ لتقوم بدراسة هذه المسألة من مختلف جوانبها. ففكرة المعالجات الجزئية لم تعد مجدية، كما أن فكرة التعلم عن طريق التجريب والمحاولة والخطأ حتى نصل إلى منظومة تعليمية جيدة فكرة قليلة النفع، وهي في الواقع مضيعة للوقت؛ إذ نجد أننا نراوح أماكننا بعد سنوات من التجريب إن لم نتخلف ونتأخر عما كنا عليه!!