إن التفكير يعد السلوك الإنساني الأشد تعقيدًا، إنه عمل يتجنبه الكثير ويؤجله أكثر!
فهو يشحذ كل قوى العقل ويستنجد بالوجدان والمعرفة والمهارات لتساعده في إنجاز مآربه، لذا يركن الكثير لتسويف تلك المهام المعقدة والمستنزقة للطاقة لوقت آخر بحجة "ما لي خلق أفكر!"
وقد.. لا يأتي ذلك الوقت!
فنحن عندما نفكر نستخدم مقوّمات أساسية لذلك، مثل التخيل والتذكر والمقارنة والبحث والتمييز، وغيرها من مهارات عقلية متعمقة.
وهو نشاط عقلي متقدم يحتاج تدريبًا وتمرينًا وممارسة، ويبدأ ذلك منذ أن يكون الطفل صغيراً. كما أنه نشاط قد يقود الشخص للأوهام أو المفاهيم الخاطئة إذا تم تفعيله بصورة مغلوطة، أو استند على معلوماتٍ مشوبة.
إذن كيف ندرّب الطفل على التفكير؟
وكيف نجعل دماغه مستعداً لإجراء تلك العمليات المعقدة مستقبلاً؟
وهل يعد الطفل مؤهلاً للتفكير أصلاً؟
لعلّ أول خطوة في تدريب عقل ذلك الطفل على التفكير الصحيح هي:
" أن تكفّ عن التفكير عنه"
فعندما يواجه طفلك صعوبةً في صعود الدرج أو فتح علبة الماء، ثم تهرع لفتحها نيابة عنه فقد حرمته للتو من فرصة تطوير مهارة حل المشكلات والصمود في وجه الصعوبات، وعندما تتدخل عند أدنى منزلق بحرصك الزائد فقد سلبته إحساس المسؤولية. إذن حاول أن تتصالح مع فكرة أن ترى طفلك يواجه التحديات لوحده حتى لو تألم، دعه يفكر ويستنتج ويحاول حتى ينجح، وليكن تدخلك عند الخطر.
ثانياً :
شجعه على النقاش وحاوره عن كل ما يدور حولكم من أحداث سياسية واجتماعية وثقافية، واسأله عنها وحدثه عن أبعادها، وشجعه على تكوين وجهة نظر شخصية حول الأحداث ونقدها ليتعلم أن لا يكون تبعيّاً.
ثالثاً:
اسأله عن رأيه فيما يواجهك من مشكلات، وطبق بعض حلوله واجعله يعلم بذلك، فأنت بذلك تمكّنه من استخدام عقله بصورة صحيحة منطقية، وفخرك بآرائه يملّكه الثقة بطريقة تفكيره فيلزمها ويطورها.
رابعاً :
اترك المجال مفتوحاً أمامه ليسأل وإن أصابك بعض الضجر أو الحرج من توقيت أو نوع السؤال، فلست مطالباً بالإجابة عن كل شيء، وإنما يمكنك رد سؤاله بسؤالٍ يجعله يفكر أكثر ويستنبط الإجابة بنفسه بعد ورشة تفكير ذهنية - وتلك ما نريد-، فالمهم أن لا يشعر بالذنب لمجرد أنه يسأل، بل كن مرحباً بتساؤلاته واثنِ على نباهته.
خامساً:
القراءة وما أدراك ما القراءة، اجعلها رفيقاً لطفلك، فهي الطريق المختصر للبلاغة والثقافة والبيان وسعة الإدراك. علمه الاختيار والانتقاء بين الكتب والقصص، واسأله فيما قرأ. ليتجرع حبها عادة تشبّ معه وترافقه في كل مراحل حياته.
سادساً:
ادفع طفلك لتجربة الجديد واكتشاف المثير من خلال اللعب والمرح، فهو بوابة الطفل للمعرفة، وطريقته المفضلة في اكتشاف المحيط، فاللعب يكسبه الكثير من الخبرات التي تحسّن المهارات العقلية لديه.
سابعاً:
الطفل المفكر غالباً له آراء مستقلة وميول مختلفة، فاسمح له أن يعبر عن رأيه، وتقبل ميوله ووجه ما جنح منها بالحكمة واللطف والاحتواء، فليس بالضرورة أنه يعاندك كما يبدو لك وإنما هو يسعى للتفرد والاستقلال بفكره.
ثامناً:
وجّه له التساؤلات التي تُذكي فضوله وتنعش تفكيره، واسأله بصفةٍ يومية مستمرة، لتوقظ حس الملاحظة والتأمل في عينيه وفي عقله، ولا تسمح لشعلة الفضول تلك أن تنطفئ.
أيها السادة..
إن التفكير والتأمل واتباع الحق، من صفات أولي الألباب الذين أثنى الله سبحانه في محكم تنزيله عليهم في ستة عشر موضعاً، وهم من جعلوا عقولهم النيرة تدلهم على الخير وتبعدهم عن الباطل، فالألباب جمع لبّ وهو ما زكا من العقل.
﴿ يُؤْتِي الْحِكْمَةَ مَنْ يَشَاءُ وَمَنْ يُؤْتَ الْحِكْمَةَ فَقَدْ أُوتِيَ خَيْرًا كَثِيرًا وَمَا يَذَّكَّرُ إِلَّا أُولُو الْأَلْبَابِ﴾
فاحرص أن تزكّي عقلك طفلك حتى يغدو سلاحاً يعمّر ذاته ووطنه، فالعقول النيّرة وحدها خلف تقدم الأمم ونهضتها، وأسوأ عدوٍّ للإنسان هو جهله ومحدوديّة عقله.
مها عبدالله الحقباني
مدرب ومستشار في التربية والطفولة
للمزيد زيارة الموقع:
Www.mahaalhagabani.com
@Maha_hagabani