تبني أي دولة في العالم، حاليًّا وعبر التاريخ، سياساتها على مبدأ تحقيق المصالح والمحافظة عليها وحمايتها، وطبقًا له تُبلور الدول تحركاتها في المجال الدولي، فتنشئ العلاقات الثنائية مع غيرها، وتُبرم اتفاقيات التعاون المشترك، ولا خلاف بين الدول على شرعية مبدأ تحقيق المصالح في التعامل مع بعضها البعض، ومن الوارد أن تتنافس الدول على تحقيق مصالحها، لكن ليس من المقبول دوليًّا أن تنكر دولة على دول أخرى عملَها على تحقيق مصالحها، باعتباره المسلك الصحيح والشرعي الذي يحظى بتوافق دولي عليه.
والمملكة مثل غيرها من الدول، تبني سياساتها على مبدأ تحقيق المصالح، وتتّخذ كل قراراتها في أي مجال بناء عليه، لاسيما إذا كانت المملكة مرتبطة باتفاقيات دولية مع دول أخرى تشترك معها في تحقيق نفس المصالح، ويندرج قرار المملكة بخفض إنتاجها من النفط ضمن أخذها بمبدأ تحقيق المصالح، الذي يفرض أن تكون هناك عدالة في أسعار النفط، والتزامًا في الوقت نفسه بالاتفاقية التي أبرمتها دول تحالف أوبك بلس في أكتوبر الماضي، بخفض إنتاج النفط بمقدار مليوني برميل يوميًّا حتى نهاية عام 2023.
وقد انعكس مبدأ تحقيق المصالح والالتزام باتفاقية أوبك بلس، في إجابات وزير الطاقة الأمير عبدالعزيز بن سلمان، على أسئلة مجلة "إنيرجي إنتلجنس"، خلال اللقاء الذي أجرته معه، وحول سؤال عن احتمالية أن تغيّر "أوبك بلس" قرارها الذي اتخذته وتزيد الإنتاج؛ قال الأمير عبدالعزيز بن سلمان: "إن التقديرات تشير إلى أن الاقتصاد العالمي سيواصل نموَّه هذا العام والعام المقبل، لكن ما زال هناك عدم يقين حول وتيرة النموّ.. والإجراء المعقول والوحيد الذي يمكن اتباعه في مثل هذه البيئة المحفوفة بعدم اليقين، هو الإبقاء على الاتفاقية التي أبرمناها في أكتوبر الماضي لبقية هذا العام".
فقرار المملكة بخفض إنتاج النفط يحقِّق مصالحها في الحصول على عوائد عادلة لأحد أهم مواردها الاقتصادية، كما أن التزامها بتطبيقه يتضمَّن المحافظةَ على مصالح بقية دول تحالف أوبك بلس، وعدم الإضرار بها، وبناء على المشروعية القانونية لهذين الاعتبارين؛ فإن قرار المملكة صائب تمامًا؛ لأنها لا يمكنها الإضرار بمصالحها، كما أنها لا تستطيع أن تتحلَّل من اتفاقية "أوبك بلس" أو تتنكَّر لها، فالمملكة دولة تتمتّع بالمصداقية في تعاملاتها الدولية، وتحترم الاتفاقيات التي توقِّع عليها.