يمكن القول إننا نعيش عصرًا انقلابيًّا في وسائل الإعلام؛ إذ إن تغريدة، لا تتجاوز 150 حرفًا، أو مقطعًا لفيديو قصير لسناب، ينتشران في الأوساط الاجتماعية أكثر مما تؤثر فيه صحيفة بمبناها الأسمنتي الضخم، وطاقمها التحريري، وإمكاناتها الضخمة. ماذا نسمي ذلك؟ هذا التراجع الواضح في التأثير على الصحافة الورقية لم تكن الصحافة هي السبب فيه، بل ما يحيط المجتمع بأسره من تغيرات في التعاطي مع وسائل الإعلام، والتواصل الجديدة. وهنا "السنابيون" يفتلون شواربهم رغم هشاشة مستوى بعضهم الثقافي، وضحالة معطاهم الإعلامي، إلا أن السوق في صالحهم، وزاد من رصيدهم المالي والحضوري، وجعل الصحف الورقية تنظر بعين الحسرة في صعوبة الحصول على المواد الإعلانية كما كانت سابقًا؛ وهو ما كسر كبرياء الصحف الورقية؛ لتتعامل باستحياء مع السنابيين المشهورين، وتقدم روابطها عبر منصة تويتر للترويج عنها، وتوسيع مساحة انتشارها. وهذا اعتراف صريح منها بالمسار الإعلامي الجديد. وليس ببعيد أن تقفل الصحف الورقية أبوابها، بل إن بعضها سلمت مبانيها للاستثمار في جانب غير الصحافة بعد أن اتخذت إجراءات عدة كتسريح الكثير من المحررين، والاتجاه نحو الرقمي مدركة بأن الأوراق المطبوعة والملونة والمكلفة التي تبيعها لم تعد مطلوبة أو مرغوبة، بل يمثل لها هدرًا ماديًّا، وجهدًا تحريريًّا كبيرًا. ويمكن رؤية ذلك في أقرب محل تجاري؛ إذ لم تعد "الاستاندات" مليئة كما كانت سابقًا بأنواع الصحف والمجلات، بل أضحت فارغة، يحوطها عين الشفقة من محبي قراءة الصحف الورقية. وزاد من الإشكالية إفصاح شركة توزيع الصحف بأنها لا تتحمل خسائر تسريح أسطول السيارات التي كانت فيما مضى تجوب مناطق ومدن وقرى السعودية كافة، والآن -نعم الآن- لم نعد نرها؛ وهذا شيء طبيعي مع مبدأ الربح والخسارة. وكل ذلك يزيد من أسهم "السنابيين" و"التكتيكيين" و"التويتريين" و"الاستقراميين"، ويعطيهم فرص الظهور والانتشار الواسع، فيما تتراجع الصحف ذات الهيبة وذات الشموخ فيما مضى، وتتوارى خجلاً مما يحدث في الساحة الإعلامية.
ألم نقل إننا نعيش عصرًا انقلابيًّا؟.. ولا ندري ماذا يُخفي المستقبل القريب مع التنامي التقني والانفجار المعرفي والتغيرات بوجود وسائل جديدة وجاذبة مما تنسجم مع روح العصر السريع، وتواكب عقول وطموحات ورغبات الشباب الذين هم الشريحة الأوسع في المجتمع.