أطلقت هيئة الأدب والنشر والترجمة اليوم، النسخة الثانية من "مهرجان الكُتّاب والقُرّاء" بمركز الأمير سلطان الحضاري في مدينة خميس مشيط؛ حيث يمتد المهرجان حتى الأربعاء 10 يناير، ويُعدّ باكورة أنشطة مبادرة "معارض الكتاب" - إحدى المبادرات الإستراتيجية للهيئة - للعام الحالي 2024.
وأوضح الرئيس التنفيذي لهيئة الأدب والنشر والترجمة الدكتور محمد حسن علوان, أن المهرجان يأتي انطلاقاً من رؤية الهيئة في صناعة ثروة أدبية متجددة، ويُمثّل حدثاً ثقافياً مهماً يحتفي بالثقافة والأدب العربي والعالمي، ويثري المشهد الثقافي، ويتيح فرصة للجمهور للاطلاع على التجارب الأدبية المتنوعة.
وعدّ المهرجان فرصة للتواصل والتعاون بين الأدباء والمثقفين من المملكة والعالم؛ لبحث مجالات التعاون بينهم، وتطوير مشاريع أدبية وثقافية جديدة، إضافةً إلى عرض إبداعاتهم أمام جمهورٍ شغوفٍ يتشكّل من مختلف الأطياف والأعمار.
وأعرب "علوان" عن تطلع هيئة الأدب والنشر والترجمة أن يُسهم المهرجان في تمكين قطاعات الأدب والثقافة والترجمة، وتحقيق مستهدفات الإستراتيجية الوطنية للثقافة تحت مظلة رؤية السعودية 2030؛ ليُشارك في تعزيز الوعي وانتشار الثقافة، إلى جانب إبراز الإرث الأدبي للمبدعين السعوديين، حيث يُعد نافذةً ثقافيةً يُطل الزائر من خلالها على الأدب عبر برنامجٍ ثقافي ثري يضمُّ باقةً من الفعاليات المتنوعة والمستحدثة.
ويأتي "مهرجان الكُتّاب والقرّاء" الذي احتضنت المنطقة الشرقية نسخته الأولى العام الماضي؛ لتعزيز المكانة الثقافية للمملكة، وفتح منافذ جديدة للإبداع والتعبير الفني، وتسعى من خلاله هيئة الأدب والنشر والترجمة إلى الاحتفاء بالكُتّاب والقرّاء بصفتهما الأكثر تأثيراً في سلسلة الإنتاج الثقافي والحضاري للإنسانية كافة.
وضمن فعاليات المهرجان، أكدت ندوة حوارية بعنوان "أثر الطبيعة على صناعة السرد السعودي"، وجود ارتباط وعلاقة بين الطبيعة والسرد، وأن هناك تأثيرًا للطبيعة على صناعة السرد، حيث يوجد تمثيل للطبيعة من صحراء وبحر وقرية ومدينة في الأعمال الأدبية، كما أن هناك حضورًا للطبيعة في صناعة السرد السعودي.
وجمعت الندوة التي جاءت ضمن البرنامج الثقافي للمهرجان، أدباء ونقاد سعوديين ناقشوا أثر الطبيعة على صناعة السرد السعودي، حيث تحدث في الندوة كل من: الدكتور معجب العدواني، الناقد والأكاديمي والأستاذ بجامعة الملك سعود، والدكتور سعود الصاعدي، الناقد وأستاذ البلاغة والنقد بجامعة أم القرى، وحسن آل عامر الأديب والكاتب المعروف بكتاباته السردية، في حين أدار الندوة أحمد مريّع.
وأجاب المتحدثون على أربعة أسئلة مثلت محاور الندوة هي: ما هي أبرز مكونات السرد المكاني في الأدب السعودي؟، وكيف ساعدت المعالم الجغرافية في تكثيف الحالة الشاعرية للكاتب؟، وهل حضور القرية يأتي قبل المدينة في أشد الموضوعات إنسانية مثل الحنين والفقد والألفة؟، وكيف صارت الرواية قوة أدبية ناعمة تساهم في الترويج للمكان في المملكة العربية السعودية؟
وفي بداية الندوة، قال الدكتور معجب العدواني، إن حضور الطبيعة في النص السردي هو خلق من مؤلف لكائنه داخل عمله، والطبيعة كانت مثارًا للاهتمام في الأدب، وهناك علاقة بين القصيدة الجاهلية من جهة، والرواية العربية من جهة، كما أن هناك حضورًا للطبيعة من الصحراء والجبال والبحر والقرية في الروايات السعودية، مشيرًا إلى الدراسات التي درست علاقة الطبيعة بغيرها من المكونات البيئية داخل المكون الأدبي أو الشعري.
بدوره، قال الدكتور سعود الصاعدي، إنه ربما تكون منطقة عسير من أفضل الأماكن، فهي تضم المكان الطبيعي بملامحه الجميلة وهي واضحة وبارزة في الأدب، وإذا دخلنا في صناعة السرد سننظر إلى أفاق أوسع، فهناك الآفاق الطبيعة الجبلية والبحرية والصحراوية والسهلية، وهي آفاق تدخلنا في عالم السرد، ثم ندخل من المكان الطبيعي إلى المكان الثقافي، وكيف ينقل الأديب هذا المكان إلى السرد.
وأضاف قائلاً: "نحن نرصد البعد المكاني في العمل وهل عبر عن المكان، أم عبر بالمكان، والأديب يمكن أن يعبر عن المكان حتى ولو عاش فيه وقتًا قصيرًا، لافتا في حديثه إلى حضور القرية في الرواية، وإلى جدلية القرية والمدينة في الرواية السعودية والعربية، حيث تمثل القرية الراحة في الرواية السعودية.
من جانبه، قال الكاتب حسن آل عامر، إن الطبيعة الجميلة كان شائعة عند الشعراء في أشعارهم أكثر من السرد، وأن البيئة من تراث وفنون وحياة لها تأثير كبير في الأعمال الأدبية، مشيرًا إلى حضور القرية في الأعمال الأدبية، وانعكس ذلك في الأعمال واللغة والفكرة، وعندما ينتقل من القرية إلى المدينة يكتب عن القرية من الذاكرة، والكتابة عن الريف هنا هي نوع من الحنين إلى الريف والذكريات، ورأى أن القرية ستختفي من الأعمال الأدبية بعد 20 عامًا، نظرًا لتحول القرى إلى مدن.
وتأتي الندوة ضمن البرنامج الثقافي لمهرجان الكُتّاب والقُراء، الذي يتضمن سلسلة من الندوات الثقافية والمناظرات الأدبية التي تستضيف نخبة من الأدباء والشعراء والنقاد، وتتناول مواضيع شيقة تلامس واقع الأدب المحلي وفنونه المختلفة، وتسلط الضوء على أهم العوامل والجهود والمؤثرات التي أسهمت في تطوير المشهد الأدبي السعودي.
من جانب آخر خصص مهرجان الكُتّاب والقرّاء مساحة لـ 15 دار نشر ومكتبة ومتجراً للكتب السعودية، لتقدم آخر الإصدارات والعناوين في شتى صنوف المعرفة، في المهرجان الذي يحتفي بالكُتّاب والقرّاء تحت شعار "قيمة ثقافية من المملكة العربية السعودية إلى العالم".
وتضم قائمة دور النشر ومتاجر الكتب في مقر المهرجان، في مركز الأمير سلطان الحضاري بمحافظة خميس مشيط في منطقة عسير، كلاً من نادي الكتاب، مركز الأدب العربي، تشكيل، أدب بوك، متجر صفحات، دار سمو، مؤسسة الطفل القارئ، دار كلمات، دار مدارك، العبيكان للتعليم، رف للنشر، دار الراوي والرواية، متجر جزيرة الأنمي، مكتبة أما بعد، متجر كتابك لبابك.
وتقدم الدور آلاف العناوين لجمهور شغوف، إسهاماً في الحراك الأدبي، ولتعزيز التعاون والشراكات في مجالات الأدب والنشر والترجمة مع مختلف الجهات، ويقدم إلى جانب دور النشر والمكتبات فعاليات مثرية بطابع تفاعلي وترفيهي، تشمل لقاءات أدبية، وحفلات غنائية، وفنون أدائية، ومعارض فنية، وعروضًا تفاعلية، كما تضم برنامجاً ثقافياً فيه ندوات ومناظرات بين الأدباء، ومنصات فنية تجمع عدة مغنين وموسيقيين يصدحون بأجمل الألحان في المهرجان.
كما يتيح أركانًا مميزة مثل القصائد بين الطرق، ومنصة الفن والأقصوصة، وتحديات وتجارب أدبية، علاوة على مناطق أخرى للتفاعل مع الزوار تهدف إلى زيادة معرفتهم، كمنطقة الأطفال والمغامرين الصغار، وحديقة المطل، وممشى الأدب، إضافة إلى منطقة المطاعم والمقاهي المحلية التي تقدم تجارب متنوعة في عالم النكهات والأطباق التقليدية، وتجربة تذوق مجموعة واسعة من أنواع القهوة، ومنصة للفنون التشكيلية تتيح للفنانين المحليين إبراز مواهبهم في المزج بين الفن والأدب.
إلى ذلك شهد المسرح الرئيس في "مهرجان الكُتّاب والقرّاء"، أولى العروض المسرحية التي حملت عنوان (اللوحة الأكبر)، وسط حضور واسع من زوار مركز الأمير سلطان الحضاري، وتدور قصة المسرحية حول رسامة لديها القدرة على التحكم بكل شيء في محيطها، ولكنها تفقد السيطرة في لحظة ما، وتحاول التخلص من أفكارها ولوحاتها، وبينما تستكشف مواهبها المتنوعة، مثل الغناء والرقص، تُدرك الرسامة أن كل شيء حولها مرتبط بشكل معقد بهويتها، وفي النهاية تكتشف أنها وكل شيءٍ يحيط بها جزءاً صغيراً من لوحة أكبر.
وأثارت مسرحية "اللوحة الأكبر" تساؤلاً فلسفياً، من يطغى على الآخر، الفنان أم الفن الذي يصنعه؟ وهل يتأثر الفنان بما يرسمه ويحيط به؟ وهل يمكن أن يتداخل الفنان وفنه حتى يصبح الفنان منفصلاً عن واقعه ومحاطاً بعالمٍ يصنعه بذاته؟ وما مدى مقربة الفن من صاحبه؟ المسرحية من تأليف وإخراج علي الزهراني، ومشاركة الممثلين: محمد بن علي، بندر الحازمي، سراء العتيبي، غيدا سلام، خالد الحارثي.
وتأتي النسخة الثانية من "مهرجان الكُتّاب والقرّاء" خلال الفترة من 4 إلى 10 يناير الجاري، استمراراً لنهج هيئة الأدب والنشر والترجمة في إقامة الفعاليات الثقافية لفتح منافذ جديدة للإبداع والتعبير الثقافي، وتعزيز مكانة المملكة الثقافية دولياً عبر تشجيع الحوار مع العالم.
وتشمل فعاليات المهرجان عروضاً حية للفنون الأدائية في منطقة عسير، والحفلات الغنائية، والمسرحيات الدرامية والعروض الكوميدية، كما يوفر المهرجان منصة للفنون التشكيلية تتيح للفنانين المحليين إبراز مواهبهم في المزج بين الفن والأدب من خلال مجموعة متنوعة من الأنشطة الفنية، وتقدم نشاطاً فنياً تفاعلياً يُمكن للزوار المشاركة فيه عبر رسم قصائد أو أعمال فنية صغيرة، لتُعرض هذه الأعمال في "اللوحة الرئيسية" التي تعكس روح المهرجان، مما يعزز التواصل الثقافي والفني والتفاعلي.