لم تَغفل الأمثال القرآنية عن أهمية شكر النعم قولاً وعملاً، وعن كون ذلك سبباً في النماء والبركة، وأن الأمم السابقة كفرت بها فأصابها الله - عز وجل - بالعقوبات والهلاك. كما تطرّقت لآداب إلهية مليئة بالبلاغة وتحمِل فوائد وعِبرْ، وتحكي جانباً من فقه التعامل مع القصص القرآني.
"سبق" وعبر برنامجها الرمضاني "هدايات قرآنية"، تستضيف طوال الشهر الكريم، الباحث الشرعي في الدراسات القرآنية "محمد الذكري"، وتستنبط منه بعضاً من أسرار ومعجزات القرآن الكريم، وتُقدّمها للقارئ عبر سلسلة ومضات يومية لمختارات من بلاغات الإعجاز الإلهي في الأمثال القرآنية.
بدايةً، استشهد الضيف الرمضاني "الذكري"، بقوله تعالى: "وَاضْرِبْ لَهُم مَّثَلاً رَّجُلَيْنِ جَعَلْنَا لِأَحَدِهِمَا جَنَّتَيْنِ مِنْ أَعْنَابٍ وَحَفَفْنَاهُمَا بِنَخْلٍ وَجَعَلْنَا بَيْنَهُمَا زَرْعاً"، والتي أمر الله فيها نبيه - صلى الله عليه وسلم - أن يضرب لأمته هذا المثل القرآني لقصة رجلين أحدهما غني صاحب بستانين عظيمين تكاملت الخيرات فيهما، والآخر أقلّ منه، وبيان حالهما فالأول كفر النعمة، فكانت سبباً لزوال ما أعطاه الله من النعمة، مع تكرار صاحبه له بالنصيحة والتحذير من عدم شكر النعمة.
وأضاف: تكامل النعيم بهاتين الجنتين في تنوع خيراتهما؛ إذ النخل والعنب والزرع بينهما، وتميزهما بميزتين يطمع كل مزارع فيهما، ويحذر من زوالهما، هما: أن الله وصفهما "كِلْتَا الْجَنَّتَيْنِ آتَتْ أُكُلَهَا وَلَمْ تَظْلِم مِّنْهُ شَيْئاً"، بوصف الكمال في تمام ثمرهما دون نقص، وهو دليل على جودة وتكامل ما فيهما من الأشجار والزروع، وطيب الأرض ومناسبتها للزراعة. وأردفَ في "الثانية": زيادة على كمال الجنتين، فالماء كثير لا يُخشى نقصه كما وصفه الله "وَفَجَّرْنَا خِلَالَهُمَا نَهَراً" وفي التعبير بـ"فجّرنا" و"نهراً" دلالة على كثرة الماء واستمرار تدفقه.
وعن الفوائد المُستخلصة من هذا المثل القرآني، قال الباحث الشرعي في الدراسات القرآنية: لم يخبرنا الله باسم صاحب الجنتين ولا صاحبه، وفي ذلك تربيته لنا في فقه التعامل مع القصص القرآني وهو التركيز على العظة والاعتبار لا مجرّد الأخبار. كما تُشير إلى فضيلة الدعوة إلى الله وأن من أساليبها الحوار كما حصل لصاحب الجنتين" فقال له وهو يحاوره..".
وواصل "الذكري" حديثه: أهمية الحكمة في الدعوة واختيار أفضل الأساليب، فقد حكى الله قول الناصح لصاحبه "أكفرت بالذي خلقك من تُراب ثم من نطفة ثم سوّاكَ رجلا"؛ إذ ذكّره بأصل خلقه وضعفه ونعمة الله عليه التي لا يمكنه الجدال في تحقّقها، بخلاف ما في الجنتين فقد يرد الأمر إلى مهارته وإدارته فكان اختيار الأسلوب الأول أقوى حجة وأثبت استدلالاً. كما تطرّقَ لحسن أسلوب الناصح لصاحبه إذ ذكره بفعل أسباب هذه النعمة، وتذكر من هم أقل منه مالاً وولدا "وَلَوْلَا إِذْ دَخَلْتَ جَنَّتَكَ قُلْتَ مَا شَاءَ اللَّهُ لَا قُوَّةَ إِلَّا بِاللَّهِ ۚ إِن تَرَنِ أَنَا أَقَلَّ مِنكَ مَالاً وَوَلَداً".
وتناول الباحث الشرعي فوائد أخرى، كحديثه عن عاقبة بطر النعمة وعدم شكرها الذي يؤدي بها إلى الزوال "وَأُحِيطَ بِثَمَرِهِ فَأَصْبَحَ يُقَلِّبُ كَفَّيْهِ عَلَىٰ مَا أَنفَقَ فِيهَا وَهِيَ خَاوِيَةٌ عَلَىٰ عُرُوشِهَا وَيَقُولُ يَا لَيْتَنِي لَمْ أُشْرِكْ بِرَبِّي أَحَداً". وفي المقابل، قال: أهمية الشكر وأنه سبب نماء النعم ودوامها، وهو خُلق الرسل والأنبياء والصالحين وفي وصف إبراهيم الخليل - عليه السلام- "إِنَّ إِبْرَاهِيمَ كَانَ أُمَّةً قَانِتاً لِلَّهِ حَنِيفاً وَلَمْ يَكُ مِنَ الْمُشْرِكِينَ * شَاكِراً لَأَنْعُمِهِ اجْتَبَاهُ وَهَدَاهُ إلى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ " النحل: 120، 121، وفي الحديث الصحيح عن مسلم في صحيحه "إنّ اللَّهَ لَيَرْضَى عَنْ الْعَبْدِ أَنْ يَأْكُلَ الْأَكْلَةَ فَيَحْمَدَهُ عَلَيْهَا، أو يَشْرَبَ الشَّرْبَةَ فَيَحْمَدَهُ عَلَيْهَا".
وختم الباحث الشرعي في الدراسات الإسلامية، حديثه عبر "سبق" عن شُكر النعم وعدم البطر فيها، بقوله: نستشهد بما ذَكره ابن القيم - رحمه الله - في كتابه الماتع مدارج السالكين: "الشكر يكون: بالقلب: خضوعاً واستكانةً، وباللسان: ثناءً واعترافاً، وبالجوارح: طاعةً وانقياداً .
وأضاف الباحث أن كفر النعمة بوابة الكفر بربّ النعمة.