تبدأ بعد منتصف مساء اليوم الجمعة، مراسم استبدال كسوة الكعبة المشرفة بحلّة قشيبة في مناسبة إسلامية تحمل رونقًا وجمالًا لأطهر وأقدس بقعة في العالم؛ وذلك تزامنًا مع إطلالة العام الهجري الجديد؛ حيث تقوم رئاسة الحرمين بالإشراف على حياكة وتطريز وتجهيز ثوب الكعبة المشرفة وعبر العديد من الأقسام المختلفة والآلات الحديثة، ليصل عدد العاملين على صناعة ثوب الكعبة المشرفة "220" صانعًا وإداريًّا.
وأكد الرئيس العام للمسجد الحرام والمسجد النبوي الدكتور عبدالرحمن السديس، أن القيادة الحكيمة سبّاقة لكل ما من شأنه الارتقاء بمستوى الخدمات المقدمة في الحرمين الشريفين، وأنها أولت الكعبة المشرفة جلّ اهتمامها من خلال العناية بها وصيانة كسوتها، وإحلال كسوة جديدة لها كل عام؛ لما لها من قدسية عظيمة لدى عموم المسلمين، مؤكدًا الجاهزية الكاملة للرئاسة لاستبدال الكسوة مساء اليوم بحلة قشيبة.
وستبدل كسوة الكعبة مطلع العام الهجري بحسب التوجيه السامي مؤخرًا، بـ"الثوب الأغلى" الذي يصنع من الحرير الطبيعي الخالص المصبوغ باللون الأسود، ويزدان بآيات قرآنية وزخارف إسلامية مطرّزة تطريزًا بارزًا بالذهب، ويبلغ ارتفاع الثوب 14 مترًا، وبالثلث الأعلى منه يوجد حزام عرضه 95 سنتيمترًا، وطوله 47 مترًا، ومكون من 16 قطعة محاطة بشكل مربع من الزخارف الإسلامية.
وتتكوّن الكسوة من أربع قطع، تغطي كل قطعة وجهًا من أوجه الكعبة المشرفة، والقطعة الخامسة هي الستارة التي توضع على باب الكعبة وتمرّ صناعتها بمراحل عدة؛ إذ يجمع قماش "الجاكارد" لتشكيل جوانب الكسوة الأربعة، ثم تثبت عليه قطع الحزام والستارة تمهيدًا لتركيبها فوق الكعبة المشرفة.
ويبلغ عدد قطع حزام كسوة الكعبة المشرفة 16 قطعة، و6 قطع و12 قنديلًا أسفل الحزام و4 صمديات توضع في أركان الكعبة، و5 قناديل "الله أكبر" أعلى الحجر الأسود، إضافة إلى الستارة الخارجية لباب الكعبة المشرفة.
وبخيوط من الحرير والذهب والفضة وبأيدي كفاءات وطنية مؤهلة تتم حياكة وتطريز ثوب الكعبة المشرفة كل عام، وتتعدد أقسام مجمع الملك عبد العزيز لكسوة الكعبة المشرفة بين التحلية، والمصبغة، والمختبر، والطباعة، وتطريز المذهبات، وكان من أبرز هذه الأقسام قسم النسيج الذي يعمل على نسج ثوب الكعبة المشرفة الخارجي من خلال عدة مراحل فنية مقننة ومحكمة وبواسطة كوادر وطنية مؤهلة علميًّا وعمليًّا، وينتج القسم النسيج الخارجي للكعبة المشرفة بواسطة مكينة "الجاكارد" التي تنتج نوعين من النسيج؛ الأول يحتوي على العبارات والآيات القرآنية المنسوخة تسمى النسيج المنقوش، والآخر خالٍ لكي توضع عليه المطرزات.
وتعتبر كسوة الكعبة واستبدالها سنويًّا من الخدمات التي تجري بها العادة، وهي اتباع لما قام به النبي محمد صلى الله عليه وسلم، والصحابة من بعده، فقد ثبت أنه بعد فتح مكة في العام التاسع الهجري كسا الرسول في حجة الوداع الكعبة بالثياب اليمانية، وكانت نفقاتها من بيت مال المسلمين، وعلى مرّ السنين اتخذت الكسوة طابعًا ووصفًا خاصًّا، وكان لها العديد من الأشكال والمواصفات، ولكل حقبة وصف معين يتميّز به، حتى جاء العهد السعودي الزاهر بعنايته للحرمين ومقدساته وقاصديه.
ولكل نسيج للكسوة تحضيراته الأولية الخاصة من خيوط السدى، التي تختلف باختلاف النسيج من حيث كثافته وعرضه ونوعه. ومن ضمن الآلات المستخدمة في مصنع الكسوة هي مكينة عجلة اللف الآلية التي تعمل على تحويل الخيوط من شلل إلى بكرات، ثم مكينة البرم والتجميع، ومكينة البطانة الداخلية، كما توجد مكينة النسيج وهي تعمل على نسج الحرير السادة لحزام ثوب الكعبة المشرفة. وتحاك كسوة الكعبة المشرفة من الحرير الطبيعي الخالص المصبوغ باللون الأسود، ويزدان بآيات قرآنية وزخارف إسلامية مطرّزة تطريزًا بارزًا بالخيوط الذهبية.
وتسبق عملية تبديل الكسوة استعدادات متناغمة ومتكاملة من الجهات المعنية في رئاسة الحرمين ومجمع الملك عبد العزيز لصناعة الكسوة، وتمر بمراحل متعددة تهدف إلى ضبط الجودة وتحري أحدث التقنيات الحديثة لضمان أعلى درجات الجودة بما يليق بالكعبة المشرفة قبلة المسلمين.
وشرح المستشار وكيل الرئيس العام لشؤون كسوة الكعبة آلية استبدال الكسوة، قائلًا: إنه سيتم إنزال الكسوة القديمة للكعبة، وإلباسها الكسوة الجديدة، والمكونة من أربعة جوانب مفرقة وستارة الباب؛ حيث سيرفع كل جنب من جوانب الكعبة الأربعة على حدة، إلى أعلى الكعبة المشرفة؛ تمهيدًا لفردها على الجنب القديم، ويتم تثبيت الجنب من أعلى بربطها وإسقاط الطرف الآخر من الجنب، بعد أن يتم حلّ حبال الجنب القديم، بتحريك الجنب الجديد إلى أعلى وأسفل في حركة دائمة. بعدها يسقط الجنب القديم من أسفل ويبقي الجنب الجديد، وتتكرر العملية أربع مرات لكل جانب إلى أن يكتمل الثوب، وبعدها يتم وزن الحزام على خط مستقيم للجهات الأربع بخياطته.
وأضاف: وتبدأ هذه العملية أولًا من جهة الحطيم؛ لوجود الميزاب الذي له فتحة خاصة به بأعلى الثوب. وبعد أن يتم تثبيت كل الجوانب تثبت الأركان بحياكتها من أعلى الثوب إلى أسفله، وبعد الانتهاء من ذلك يتم وضع الستارة التي تحتاج إلى وقت وإتقان في العمل، بعمل فتحة تقدر بمساحة الستارة في القماش الأسود التي تقدر بحوالي 3.30 أمتار عرضًا حتى نهاية الثوب، ومن ثم يتم عمل ثلاث فتحات في القماش الأسود لتثبيت الستارة من تحت القماش، وأخيرًا يتم تثبيت الأطراف بحياكتها في القماش الأسود على الثوب.
ويتم استخدام خيوط من الذهب والفضة في تطريز كسوة الكعبة؛ حيث يصل عدد قطع المذهبات "54" قطعة على الكعبة، وتتم حياكة وتطريز الثوب في قسم تطريز المذهبات بمجمع الملك عبدالعزيز لكسوة الكعبة المشرفة، التابع للرئاسة العامة لشؤون المسجد الحرام والمسجد النبوي، وذلك باستخدام "120" كيلوجرامًا من المذهبات، و"100" كيلوجرام من الفضة المطلية بماء الذهب، و"760" كيلوجرامًا من الحرير.
كما يتم تطريز الآيات القرآنية والزخارف بالخيوط الفضية المطلية بماء الذهب، وذلك بعد وضع الخيوط القطنية بكثافات مختلفة فوق الخطوط المطبوعة على القماش الأسود، ومن ثم يقوم صناع الكسوة بعمل الغرز والحشو والقبقبة بالقطن؛ حيث يتم إنتاج "17" قنديلًا و"4" صمديات تحمل سورة "الإخلاص" توضع في أركان الكعبة، و"16" قطعة لحزام الكعبة، و"7" قطع أسفل الحزام، والكينارين، والعرق وحلية الميزاب، إضافة إلى الستارة الخارجية للباب.
وتتم عملية النسج بشكل آلي بالكامل من خلال تحويل الخيوط من شلل إلى بكرات، والبرم والتجميع، وبعد ذلك تقوم مكينة "الجاكارد" بإخراجها بشكل جاهز حسب المطلوب منقوش أو سادة، وإن العبارات المنقوشة على النسيج هي: "لا إله إلا الله محمد رسول الله"، "سبحان الله وبحمده سبحان الله العظيم"، "يالله يالله"، "ياديان يامنان".
وتعد عملية صيانة كسوة الكعبة من الأعمال الدورية وفق برنامج ثابت؛ حيث تتم عملية تنظيف شاملة لثوب الكعبة المشرفة على مدار العام، وتقوم خطة الصيانة على تفقد الكعبة بشكل يومي وعمل صيانة دورية لها من خلال فريق عمل سعودي متخصص تصل خبرته إلى 26 عامًا؛ حيث يهتم الفريق بتفقد أجزاء الثوب كاملة والحلقات المثبتة له.