يؤكد الكاتب الصحفي علي خضران القرني أنه كان يترقب ساعة التقاعد، وأن الحياة بعد التقاعد "نعمة" لا يحس بلذتها إلا مَن أحسن استثمارها، فالبعض قد يمارس التجارة والاستثمار، ويتفرغ آخرون لمزاولة بعض المواهب والهويات كالقراءة والكتابة والبحث؛ فيما يخلد نوع ثالث للراحة والاستمتاع والتواصل مع الأقارب والأصدقاء.
وفي مقاله "الحياة بعد التقاعد" بصحيفة "المدينة"، يقول القرني: "في مناسبة خاصة جَمَعت بيني وبين بعض الجيران والزملاء، منهم من تقاعد ومنهم من ينتظر، سألني أحدهم -وقد تقاعد- عن حالي بعد التقاعد؟ فأجبته: كانت فرحتي غامرة جدًّا، عندما بلغت قرار تقاعدي، فقد كنت خلال مسيرتي الوظيفية أترقب الساعة التي أحال فيها على المعاش، وما كان يؤخر طلبي الإحالة على التقاعد المبكر إلا تحسن راتبي ومرتبتي، لعدم وجود مصدر مساند لي سواه بعد التقاعد، وبصراحة ومصداقية، أعتبر نفسي اليوم في طليعة السعداء من المتقاعدين الذين جربوا نعمة الحياة بعد العمل الوظيفي، وما نابهم خلاله من التزامات ومسؤوليات وقيود، مع أن هناك من حزن بعد فراق الوظيفة، وحبذا لو طال أمده فيها لأسباب فسّرها علماء الإدارة بأنها مؤثرات نفسية".
ويؤكد الكاتب أن "الحياة بعد التقاعد (نعمة) لا يحس بلذتها إلا من أحسن استثمارها؟! والوظيفة رسالة وطنية قبل أن تكون وسيلة ربحية يتحتم على كل مواطن أداؤها كل على حسب تخصصه ومقدرته، ولا ننسى أنها أدرت على الكثيرين منا حوافز كثيرة منها: امتلاك المساكن، والانتدابات، والأعمال الإضافية، والترقيات ومع ذلك فقد واكبنا خلالها بعض القصور في واجباتنا الأسرية وتربية الأبناء، وصلة الأقارب والأرحام نتيجة للالتزام الوظيفي وخلفياته".
ويضيف "القرني": "هناك مَن تقاعد مبكرًا، لأنه يملك ثروة قد تغنيه عن الاستمرار في الوظيفة، أو تجارة اكتسبها أثناء العمل.. والبعض منهم لا يملك سوى راتبه التقاعدي، رغم أن بعضهم حاول ممارسة نشاطات أخرى، لكنه لم يوفق لفقدانه رأس المال والخبرة.. والبعض الآخر تفرغ لمزاولة بعض المواهب التي اكتسبها خلال مراحل حياته، كالقراءة، والكتابة، والبحث، والتأليف بالنسبة للأدباء والكتاب، ومَن على شاكلتهم، وتغيير الأجواء والصلات والزيارات والأسفار التي فقدها أثناء العمل، والقيام بما يقربه من الله قولًا وعملًا خاصة وهو يعيش في مرحلة من مراحل حياته تتسم بالإقامة غير الدائمة، والرحيل المستمر".
ويُنهي الكاتب قائلًا: "خير ما أختم به هذه الخاطرة عن الحياة بعد التقاعد، أبيات مختارة للشاعر الكاتب الأستاذ محسن علي السهيمي، من قصيدة له نُشرت في المجلة الثقافية بصحيفة الجزيرة بعنوان (وأتى التقاعد)، يؤكد فيها الراحة والمتعة بعد الإحالة على التقاعد:
ومضى يلملم بعضه مستقبلًا
فجر البهاء بهمة وتقدما
ومضى ليهنأ بالسلام وفسحة
تغدو لمن بلغ المشارف بلسما
كل النوافذ فُتّحت واستشرفت
أحلامه وتكاد أن تتكلما
الوقت ملك يمينه وأمامه
حرية بيضاء لامست السما
فلربما ركب البحار مغامرًا
ولربما قطع الديار تنعُّمَا
إن شاء يخلد للمنام وإن يشأ
صحوًا.. فحُقَّ لروحه أن تنعما
حرًّا تخفَّف من علائق أمسه
وهفا إلى غده البهيج متيمًا".