"الزهراء".. أسطورة الأندلس ومفخرة الدنيا

بعثة سبق- قرطبة: في الطريق إلى "الزهراء" كان بعضنا يستحضر أبياتًا للشاعر الأندلسي الشهير ابن زيدون، والتي قال في مطلعها:

إني ذكرتُكِ (بالزهراءِ) مُشتاقا

 والأفقُ طلقٌ ومرأى الأرضِ قد راقا

وللنسيمِ اعتلالٌ في أصائلهِ ـ

 كأنه رَقَّ لي، فاعتلَّ إشْفاقا

نلهو بما يستميلُ العينَ من زَهَرٍ

 جال النَّدى فيه، حتَّى مالَ أعناقا

 

من الباص الذي يتوقف على بعد 100 متر تقريبا من آثار المدينة الغابرة نلمح نخلة وحيدة تشعر فعلاً بغربتها أكثر من الحنين في داخلك. تقرأ دخيلتها، وتكشف أسرارك!

 

من يتجول داخل بقايا هذه المدينة يستذكر فعلاً ما قرأ عن عظمتها حد الخرافة!

 

وإن كنت ذا خيال جامح فحاول أن تتخيل! مدينة فيها "أربعة آلاف وثلاثمائة سارية"؟

 

مدينة بها 15 ألف باب! وسقوف قصورها الرخام المذهب؟! وأبوابها من العاج والأبنوس؟! وفي حدائقها الغنّاء مجسمات لحيوانات وتماثيل غريبة مصنوعة من العنبر واللؤلؤ"؟!

 

الزهراء التي بدأ الخليفة الناصر في بنائها عام 325هـ عند أقدام جبل العروس، وأكملت خلال 40 عامًا كانت على بعد خمسة أميال إلى الشمال الغربي من قرطبة لتكون تحفة الدنيا.

 

أما قصر الخليفة فيها فقيل مما قيل إنه كان في وسطه صهريج عظيم مملوء بالزئبق، وكان إذا وقعت عليه الشمس سطعت جوانبه بأضواء ساحرة مبهرة!

 

ويصفه المؤرخ التلمساني في كتاب نفح الطيب بقوله: "لما بنى الناصر قصر الزهراء المتناهي في الجلالة والفخامة أطبق الناس على أنه لم يبن مثله في الإسلام البتة. فكان فيه السطح الممرد المشرف على الروضة المباهي بمجلس الذهب ما بين مرمر مسنون وذهب موضون وعمد كأنما أفرغت في القوالب ونقوش كالرياض وبرك عظيمة محكمة الصنعة وحياض وتماثيل عجيبة الأشخاص لا تهتدي الأوهام إلى سبيل استقصاء التعبير عنها".

 

مدينة الزهراء، التي لم يبق منها سوى أطلالها، آثارها مقسمة لمجموعات أبرزها قصر الخليفة والمقام الخاص، ثم مساكن الحاشية والحرس، والثالثة أسفل الربوة يظن أنها البهو العظيم الذي كان مخصصًا لاستقبال الملوك وأكابر السفراء.

 

أعمال الحفر والتنقيب مستمرة عن كنوزها المنهوبة منذ 1911، وقد كشفت عن كثير مما يؤكد ما كان يظن أنه أساطير.

 

- متحف الزهراء

وبعد عودتك من آثار المدينة يمكنك المرور بمتحف مدينة الزهراء حيث يتوقف الباص. تم افتتاح المتحف في أكتوبر 2009. ومن التجوال فيه يمكنك معرفة المزيد من المعلومات، وكذلك مشاهدة أهم القطع الأثرية التي عُثِرَ عليها أثناء عمليات التنقيب.

 

المتحف يتكون من ثلاثة طوابق، ويتضمن الكثير من التحف والنوادر المكتشفة، كما يعرض مواد وثائقية بالصوت والصورة عن المدينة.

 

ويمكن للزائر مشاهدة فيديوهات تشرح التقنيات المتبعة في بناء مدينة الزهراء، كما يتم عرض معلومات عن مجتمع الزهراء وعن المجتمع الأندلسي بشكل عام، هذا بالإضافة إلى عرض القطع الأثرية الخاصة بالمدينة.

 

كما يضم أيضًا مكتبة متخصصة تستعرض مواد تتطرق للعالم الإسلامي، الأندلس والزهراء. وقاعة للندوات.

 

"الزهراء" بسمعتها الفاتنة لم تعمر سوى 75 عامًا فقط، لتسقط في ظلام النسيان والتجاهل أكثر من ألف سنة.

 

تلك التي كانت مياهها جارية بنظام دقيق، وشوارعها مضيئة، ولياليها خالدة. وفي الوقت الذي كانت أوروبا غارقة في الجهل كانت هي تتشارك مع الشقيقة الكبرى قرطبة 70 مكتبة، وأكثر من 400 ألف كتاب من نوادر الكتب ذهب منها ما ذهب ليكون أساسًا لحضارة الغرب.