الشيخ الموسى.. مسيرة كفاح بدأت بعامل بناء أجره نصف ريال

ابنه يكشف تفاصيل رحلته وحكايته مع "العليا" ومساكن المحتاجين
الشيخ الموسى.. مسيرة كفاح بدأت بعامل بناء أجره نصف ريال
تم النشر في
سبق- الرياض: تحدث رجل الأعمال عضو شرف نادي "الهلال" الداعم للألعاب المختلفة موسى بن عبدالعزيز الموسى، عبر برنامج "مناهل" الذي تبثه قناة "بداية" ويقدمه الزميل ناصر الغامدي، عن مسيرة حياة والده الشيخ عبدالعزيز بن عبدالله الموسى، ابتداءً من ولادته في بلدة البير وحتى وفاته بمدينة الرياض، مستعرضاً ما تضمنته حياته من مراحل عمل مختلفة جعلته أحد كبار رجال الأعمال في المملكة.
 
وقال "موسى" إن والده من مواليد البير التابعة لثادق في عام 1350هـ حيث نشأ في بداية حياته متأثراً بالحالة الاقتصادية الضعيفة التي كانت تعيشها منطقة نجد عموماً بسبب ندرة الأمطار وانتشار القحط والجدب، ما أثر سلباً على حياة الناس فانتشر الفقر وعمّت الأمراض.
 
البداية رحلة للرياض مشياً
وأضاف: "في ذلك المناخ الاقتصادي الصعب بدأ الشيخ عبدالعزيز الموسى أولى خطواته في الكدح من أجل لقمة العيش حيث عمل بالفلاحة في إحدى المزارع بالبير مدة موسم كامل وهو دون العاشرة من عمره، وفي نهاية الموسم كانت أجرته كيس من الدخن".
 
وأردف: "بعد أن بلغ والدي 12 عاماً قرر أن يسافر إلى الرياض بحثاً عن العمل، فاستشار والده في تلك الخطوة الجريئة فأيده ودعا له بالتوفيق، ثم بدأ رحلته إلى الرياض برفقة أخيه الذي يكبره في العمر الشيخ سعد الموسى، واستغرقت الرحلة من البير إلى الرياض بضعة أيام قطعاها مشياً على الأقدام بعد أن رفض صاحب إحدى السيارات التي تنقل المسافرين أن يأخذهما معه بحجة أنهما صغيران".
 
عامل بناء بأجر نصف ريال
وتابع "موسى": "في الرياض بدأ الشيخ عبدالعزيز الموسى في العمل كعامل بناء وكانت أجرته في بداية عمله الطعام والشراب فقط، ثم فيما بعد وجد فرصة عمل أخرى لدى معلّم بناء آخر بأجرة بلغت نصف ريال مع الأكل والشرب، فانتقل إليها واستمر يعمل في البناء حتى أصبح لاحقاً مقاولاً معروفاً يبني بيوت الطين والبناء المسلح في الرياض والخرج وما جاورها".
 
وقال: "بدأ والدي في مجال العقار من خلال شراء أراضٍ صغيرة تقاس مساحتها بالذراع ثم إعادة بيعها لتحقيق ربح بسيط كما عمل على شراء البيوت القديمة وترميمها مستفيداً من خبرته في البناء قبل إعادة بيعها مرة أخرى محققاً بعض المكاسب منها".
 
وأضاف: "في بداية حياته العملية تعرّض والدي لخسارة جميع ما يملكه حين جمع مبلغاً من المال يعادل خمسة ملايين ريال بقيمة الريال في وقتنا الحالي، وكان هذا المبلغ هو حصيلة جهده في البيع والشراء ثم أودعه لدى أحد التجار الذين يحفظون الأموال، وبعد مدة عاد إليه وطلب منه أن يسترد أمواله فقال له ذلك التاجر: (أنا لا أذكر أنك أودعت عندي شيئاً)، ولم يكن لدى الشيخ عبدالعزيز أي إثبات على الإيداع، ما أدّى إلى فقدانه جميع أمواله".
 
خسارة الـ 5 ملايين
وأردف: "تسببت هذه الحادثة في صدمة لوالدي، حيث خسر حصيلة جهده لسنوات طويلة إلا أنه لم ييأس أو يحبط بل عاد للعمل بجد واجتهاد وواصل كفاحه في الحياة".
 
وبخصوص أهم الصفقات العقارية التي ساهمت في انطلاقة والده التجارية قال موسى الموسى: "كانت الصفقة تتعلق بأرض في شارع الخزان بمدينة الرياض حيث اشتراها عام 1385هـ مع مجموعة من أصدقائه من الملك خالد بن عبدالعزيز، الذي كان حينها ولياً للعهد، ثم قام الشيخ عبدالعزيز بتخطيطها وإعادة بيعها وقد حققت الأرض عوائد عالية".
 
وأوضح أن والده عندما بدأ بالشراء في أحياء العليا بشمال الرياض كانت المنطقة خالية من السكان وبعيدة عن العمران، فوضع فيها صندقة صغيرة جعلها دكّاناً لبيع الأراضي وكان يمرّ عليه بعض الأشخاص ويتهمونه بقلّة العقل لأنه ترك الأحياء الآهلة بالسكان وانتقل إلى البيع والشراء في تلك "البرّان"، بينما كان كثير من تجار الرياض يراهنون على فشله وخسارته لأنه يشتري في مناطق بعيدة وغير مأهولة بالسكان.
 
وقال: "تحولت تلك المناطق التي اشترى فيها الشيخ عبدالعزيز إلى أفضل الأحياء في الرياض وأكثرها جاذبية للسكن والنشاط التجاري، وارتفعت أسعارها ارتفاعاً كبيراً وكانت هي انطلاقته الكبرى في مجال تجارة العقار".
 
سياسة عدم الاحتكار
وأضاف "موسى": "أهم ما تميّز به والدي هو أنه كان أميناً وسمحاً وصادقاً ويقدّر الكلمة والوعد في البيع والشراء ولا يحتكر الأراضي مطلقاً أو يضر الناس بل كان يبيع مخططاته فوراً وبأسعار قد تصل إلى أقل من 30% من سعر السوق وذلك حتى يربح الذي يشتري منه مما أكسب أراضيه جاذبية لدى المشترين من الأفراد أو من تجار العقار وبعض أراضيه كان يربح منها أكثر من عشرة مشترين يتعاقبون على شرائها وذلك لكون أسعارها منخفضة".
 
وأردف: "سياسة ثابتة تبناها الشيخ عبدالعزيز الموسى في التعامل مع جميع مخططاته وعقاراته رغم علمه بما ستبلغه الأرض من قيمة مستقبلية حيث كان يدرك أن سعرها سيرتفع إلا أنه لم يستغل ذلك".
 
وقال "الموسى": هناك أراض خططها الوالد وكان معه فيها شركاء، ثم باع الوالد نصيبه منها مباشرة، أما الآخرون فما زالوا يحتفظون بنصيبهم إلى الآن، على الرغم من مرور أكثر من 30 سنة على تخصيص بعض هذه الأراضي، لأن سياسة الوالد كانت تقوم على عدم احتكار الأراضي أو حبسها وإنما كان يبيعها فوراً حتى يستفيد من يأتي بعده ويربح منها أو يبني عليها، وكان الوالد يقول: (أنا أخذت ربحي والدور على الذي يأتي من بعدي، اللهم ارزقني وارزق مني)".
 
رجل العقار الطيب
وأضاف: "كان الشيخ عبدالعزيز الموسى محباً للخير للآخرين وحريصاً على نفعهم وكان يفرح فرحاً شديداً حين يعلم أن أراضيه التي باعها قد استفاد منها الآخرون أو ربحوا منها ولم يكن يحسد أحداً بل كان قلبه عامراً بالمحبة للجميع، ولهذا كان يسمّيه الملك فهد "رجل العقار الطيّب".
 
وأردف: "من أمثلة حرص أبي على حب الخير أنه علم بإسلام أحد الذين يعلمون معه في إحدى شركاته التي كانت تعاني حينها من بعض الخسائر فقال الشيخ عبدالعزيز: (يكفيني من هذه الشركة إسلام ذلك الشخص فهذا هو الربح الحقيقي)".
 
وأوضح أن والده لم يكن يعلن عن مساهماته أو عن موعد بيعها في أيٍّ من وسائل الإعلام وإنما كانت تباع مباشرة على الخريطة وعبر الهاتف أحياناً وتنتهي جميع القطع في خلال نصف ساعة لثقة الناس به ولهفتهم على شراء عقاراته وانتظارهم لمساهماته وأيضاً لخبرته وبعد نظره وفراسته في التجارة واستشرافه لمستقبل العقار.
 
وقال: "السياسة المتبعة لدى الشيخ عبدالعزيز الموسى في مساهماته العقارية هي أن الشخص المساهم معه إذا لم يستلم أمواله من الأرباح فإنه يقوم باستثمارها لصالحه في مشروعات أخرى فيتحول المبلغ البسيط الذي ساهم به الشخص إلى ثروة كبيرة لاحقاً، كما أن نصيب الأسد من مساهماته كان يذهب للفقراء والمحتاجين وذوي الدخل المحدود والذين كان يحرص على إدخالهم معه حتى يستفيدوا من عوائد تلك المساهمات وأرباحها".
 
وأضاف: "الكثير من التجار الكبار المعروفين حالياً على مستوى المملكة استفادوا من مساهماتهم مع والدي وكان هو سبباً مباشراً بعد توفيق الله في تحولهم إلى الثراء".
 
حكايته مع أمانة الرياض
وأردف "موسى": "سماحة والدي لم تكن مقصورة على تعاملاته التجارية مع الأفراد فقط، بل امتدت لتشمل عدداً من القطاعات الحكومية والجهات الخدمية، فعلى سبيل المثال طلبت أمانة مدينة الرياض منه أن يتنازل عن مساحة تقدّر بنحو مليوني متر لصالح مشروع سوق الأغنام بحي العزيزية فقرر مباشرة التنازل عنها للأمانة دون مقابل".
 
وتطرق إلى قصة أرض جامعة الإمام محمد بن سعود الإسلامية، وقال: "كانت الجامعة تبحث عن أرض ليقام عليها المشروع فطلب الأمير سلمان من ملاك الأراضي هناك عرض أسعارهم في تلك المناطق فكان سعر المتر يصل إلى 150 ريالاً".
 
وأضاف: "حين علم الأمير سلمان أن للشيخ عبدالعزيز أرضاً هناك مساحتها نحو أربعة ملايين متر خاطبه وعرض عليه الأمر وأن الأرض مطلوبة ليقام عليها مشروع تعليمي، فقام الشيخ عبدالعزيز بتخفيض قيمتها إلى أقل من النصف وباعها بسعر 70 ريالاً للمتر دعماً منه للتعليم".
 
مساكن المحتاجين
وبشأن أعمال البر والخير والإحسان التي اشتهر بها الشيخ "عبدالعزيز" قال نجله: "والدي كان يبذل غالب وقته في أمور الخير ومجلسه يعجّ بالفقراء والمساكين وطالبي الدعم والشافعين في حوائج الناس، ويندر أن تجد وقتاً من الأوقات التي تتاح فيها الزيارة إلا وتجد المحتاجين عنده بالمئات يعرضون عليه حالاتهم ويطلبون منه العون والمساعدة ولم يكن يتذمّر منهم أو ينزعج من زيارتهم بل كان يقابلهم بالترحيب".
 
وأشار إلى أن والده قام ببناء وشراء عشرات الآلاف من الوحدات السكنية للمحتاجين في مختلف مناطق المملكة، وبدأ بأقاربه وأرحامه حيث قام بتأمين وحدات سكنية لهم وكان يولي قضية السكن عناية خاصة لأنه يعتبر ذلك همّاً كبيراً على رب الأسرة، كما ساهم ببناء آلاف الوحدات السكنية كمشروعات إسكانية عامة في أبها والقنفذة والشرقية، وذلك دعماً منه للمحتاجين هناك.
 
مدارس التحفيظ
وتحدث عن إنشاء والده لمدارس تحفيظ القرآن الكريم بقرى جنوب المملكة، وقال: "كان يمشي على رجليه ويزور تلك القرى برفقة مسؤولي الدعوة والقضاء هناك ويتلمّس حوائجهم وحين رأى حاجتهم إلى تعليم القرآن الكريم لندرة من يتولى ذلك ويعمل فيه؛ قام بتأسيس الكثير من مدارس تعليم القرآن الكريم وحلقات التحفيظ ودعمها بماله وأنشأ لها أوقافاً بملايين الريالات حتى تغطي مصاريفها المستقبلية وهي الآن تعتبر من أهم حلقات تحفيظ القرآن الكريم على مستوى المملكة".
 
وأضاف "موسى": "والدي تولّى دعم أول قافلة إغاثية انطلقت لإغاثة الأشقاء من اللاجئين السوريين في المخيمات المقامة في الأردن وبلغ عدد شاحنات تلك القافلة نحواً من 70 شاحنة محملة بمختلف الحاجات من الطعام والشراب واللباس والخيام، وقد تحدّث الإعلام الأردني وقتها عن أن تلك القافلة هي أضخم قافلة إغاثية تصل إلى الأردن دعماً للاجئين السوريين".
 
وبسؤاله عن الصورة المنشورة والتي فيها مجموعة من الأطفال السوريين يرفعون لافتة يدعون فيها لوالده بالرحمة والمغفرة، قال "موسى": "هذه إحدى مشروعات الوالد الخيرية في الأردن حيث قام باستئجار مجموعة كبيرة من العمائر التي آوت أكثر من عشرة آلاف ما بين يتيم وأرملة ومحتاج وعَمِلَ على تأهيلهم وتعليمهم وتدريبهم حتى يستفيدوا من أوقاتهم وكان هذا المشروع هو الأضخم من نوعه فلما بلغهم نبأ وفاته كتبوا تلك اللوحة ورفعها عرفاناً منهم بأيديه البيضاء عليهم".
 
الأوقاف الخيرية
وعن أوقاف والده؛ قال "الموسى": "أبي أوقف ثلث أملاكه للمشروعات الخيرية، ومن تلك الأملاك مجمع الموسى المعروف بشارع العليا إضافة إلى مجمع تجاري كبير في الدرعية، وبرج العبّاس بمكة المكرمة، وغيرها من الأملاك والعقارات، وكانت البداية عام 1422هـ حيث كان يتولّى إدارة هذه الأوقاف شخصياً ثم حوّل تلك الأوقاف إلى مؤسسة في عام 1431هـ اختار لها اسم "وقف الشيخين سعد وعبدالعزيز الموسى".
 
ثم تحدث عن وفاة والده بقوله: "تعرض الوالد في آخر حياته إلى نوع نادر من أنواع السرطان في بطنه، وكانت آلامه شديدة لكنه كان صبوراً محتسباً وكان يحمد الله على ما أصابه ويقرأ القرآن ويدعو الله أن يجعله من أهل الجنة، ولم يمهله المرض طويلاً حيث توفي بعد أسبوعين من دخوله المستشفى، وكانت وفاته فجر يوم الخميس الموافق 12/ 3/ 1434 بالمستشفى التخصصي بمدينة الرياض".
 
وأضاف: "كانت جنازته عظيمة تغص بالفقراء والمحتاجين وببعض الوفود من الدول الإسلامية التي وصلتها مساهمات الشيخ الخيرية وتبرعاته".
 
وبشّر "موسى" المتابعين بقرب صدور كتاب حافل يحوي سيرة والده موثقاً بالقصص والصور وشهادات أهل العلم والمسؤولين ورجال الأعمال، ليكون شاهداً على سيرة رجل رسم البسمة على محيّا ملايين الناس في أنحاء المعمورة.
 
وفي نهاية الحلقة؛ دعا "موسى" جميع التجار إلى أن يجعلوا من سيرة والده الشيخ عبدالعزيز الموسى قدوة لهم، وأن يتعلموا منه الأمانة والسماحة والصدق وحب الخير للآخرين، ونفعهم بالمال والجاه، وعدم احتكار الأراضي أو الإضرار بمصالح الناس وتعطيل مشروعات الإسكان والتنمية، طمعاً في تحقيق مكاسب عاجلة على حساب مصالح الآخرين.
 
 
 

أخبار قد تعجبك

No stories found.
صحيفة سبق الالكترونية
sabq.org