بلاغة "التمني".. آيات ومشاهد قرآنية ذُكِرت ١٤ مرة.. تعرّف عليها

في حلقة "سبق" الرمضانية "20" مع دكتور البلاغة والنقد "زيد الخريصي"
بلاغة "التمني".. آيات ومشاهد قرآنية ذُكِرت ١٤ مرة.. تعرّف عليها

يُعدّ أسلوب "التمني" من أعظم أساليب علم البلاغة التي كانت حاضرةً في القرآن الكريم، وذُكِرت مشاهده أربع عشرة مرة؛ حيث يُعتبر أحد الأساليب الإنشائية التي تعمل على توضيح المعنى الذي يقصده الشخص المتمنّي؛ وهو أمر قد يكون الحصول عليه مستحيلًا.

وخصّصت "سبق"، في الحلقة الرمضانية "العشرين" من "قبسات بلاغية"؛ الحديث عن بعضٍ من بلاغة "التمني" في القرآن، وتستضيف فيها وبشكلٍ يومي طوال شهر رمضان المبارك، دكتور البلاغة والنقد "زيد بن فرج الخريصي".

قال "المتخصص": ينقسم الإنشاء قسمين؛ أولًا الطلبي، وهو "ما يستدعي مطلوبًا غير حاصل وقت الطلب"، وله أنواع خمسة، هي: الأمر، والنهي، والاستفهام، والنداء، والتمني، ثانيًا: غير الطلبي، وهو: "ما لا يستدعي مطلوبًا غير حاصل وقت الطلب"، وله أنواع، منها: صيغ المدح والذم، والقسم، والتعجب، والرجاء، والعقود.

عناية البلاغيين

وأضاف الدكتور "الخريصي": اهتمّ البلاغيون بالإنشاء الطلبي دون الإنشاء غير الطلبي؛ لسببين؛ يقول الدكتور "عبد العزيز عتيق": "أما الإنشاء الذي هو موضع اهتمام البلاغيين؛ لاختصاصه بكثير من الدلالات البلاغية؛ فهو "الإنشاء الطلبيّ"، والإنشاء غير الطلبي ليس من مباحث علم المعاني؛ وذلك لقلّة الأغراض البلاغية التي تتعلق به من ناحية، ولأن أكثر أنواعه في الأصل أخبار نقلت إلى معنى الإنشاء من ناحية أخرى".

وعن "أسلوب التمني" قال: هو "طلب حصول شيء على سبيل المحبة"، ويخلط بعضهم بين التمني والترجي؛ فالترجي ما يمكن حصوله على الغالب، نحو: لعلك تحضر يا أحمد؛ فحضور أحمد حاصل على الغالب، أما لو قلت: ليتك تحضر يا أحمد؛ فحضور أحمد ممتنع على الغالب.

أدوات التمني

وواصل "دكتور البلاغة والنقد": للتمني أداة رئيسة، هي: "ليت"، ولكن قد يتمنى بغيرها، يقول الدكتور "عبد العزيز عتيق": "واللفظ الذي يدلّ بأصل وضعه اللغوي على التمني هو "ليت"، وقد يتمنّى بثلاثة ألفاظ أخرى لغرض بلاغي، وهذه هي: "هل، ولعل، ولو". ومعنى كلامه أن هذه الأدوات قد تخرج عن أصل وضعها إلى التمني، فـ"هل" حرف استفهام في أصل وضعه، ولكنه قد يخرج عن أصله إلى معنى التمني، كما في قوله تعالى: "...فَهَلْ لَنا مِن شُفَعاءَ فَيَشْفَعُوا لَنا أوْ نُرَدُّ فَنَعْمَلَ غَيْرَ الَّذِي كُنّا نَعْمَلُ..." "الأعراف: 53"، ومثله "لعل" حرف ناسخ يفيد الترجي، ولكنه خرج عن الترجي إلى التمني، كما في قوله تعالى: "وَقَالَ فِرۡعَوۡنُ یَـٰهَـٰمَـٰنُ ٱبۡنِ لِی صَرۡحࣰا لَّعَلِّیۤ أَبۡلُغُ ٱلۡأَسۡبَـٰبَ * أَسۡبَـٰبَ ٱلسَّمَـٰوَتِ فَأَطَّلِعَ إِلَىٰۤ إِلَـٰهِ مُوسَىٰ ..." "غافر: 36-37"، والغرض البلاغي من وراء التمني بهاتين الأداتين "هو إبراز المتمني المستحيل وإظهاره في صورة الممكن القريب الحصول؛ لكمال العناية به والشوق إليه"، ففي هذه الآية يتمنّى أهل النار أن يكون لهم أصدقاء وأولياء فيشفعون لهم عند ربهم؛ لتنجيهم شفاعتهم عنده مما قد حلّ بهم من سوء أفعالهم في الدنيا، أو يردون إلى الدنيا مرة أخرى، فيعملون فيها بما يرضي الله، فتكون لهم شافعة، ويظنون أن هذا الأمر حاصل، ولكنه في الحقيقة ما هو إلا تمنٍّ لا قيمة له؛ فباب التوبة أغلق، وحان وقت الحساب. وفي الآية الثانية طلب فرعون من وزيره هامان أن يبني له منارة عالية؛ ليصل إلى أبواب السماء، فيطلع إلى إله موسى، عليه السلام، وهذا مستحيل، وجاء بـ"لعل" التي أفادت التمني؛ لأنه يظنّ أن هذا الأمر حاصل، لعنايته، وانشغاله، وشوقه إلى بطلان ما يدعو إليه موسى، عليه السلام، في دعوته إلى الله، عز وجل، ولكن هيهات لما ظن وفعل.

آيات وشواهد

وعن مشاهد التمني في القرآن الكريم، قال "المتخصص": إنها ذُكِرت "أربع عشرة" مرة، ومن ذلك ما جاء في قوله تعالى: "وَلَئِنْ أَصَابَكُمْ فَضْلٌ مِّنَ اللَّهِ لَيَقُولَنَّ كَأَن لَّمْ تَكُن بَيْنَكُمْ وَبَيْنَهُ مَوَدَّةٌ يَا لَيْتَنِي كُنتُ مَعَهُمْ فَأَفُوزَ فَوْزًا عَظِيمًا" "النساء: 73"، هذه عادة المنافق زمن النبي، عليه الصلاة والسلام؛ فحينما تكون الغلبة للمسلمين يظهر الفرح والسرور، وحينما تكون الهزيمة تظهر الشماتة والسخرية، فهذا المنافق عبد الله بن أُبي وأصحابه يتمنى أن يشارك المؤمنين الغنائم، وجاء هذا التمني بأداته "ليت"؛ لأنه من المستحيل.

وأتبع "الخريصي": من مشاهد التمني ما جاء في قوله تعالى: "فَأَجَاءَهَا الْمَخَاضُ إِلَىٰ جِذْعِ النَّخْلَةِ قَالَتْ يَا لَيْتَنِي مِتُّ قَبْلَ هَٰذَا وَكُنتُ نَسْيًا مَّنسِيًّا" "مريم: 23"، تمنّت مريم، عليها السلام، أمرين؛ الأول: الموت قبل وضع عيسى، عليه السلام، دون جماع، والثاني: نسيان الناس لها، وهذان الأمران مستحيلان؛ لأن أمر الله متحقق لا محالة.

وختم قائلًا: من مشاهد التمني ما جاء في قوله تعالى: "وَأَمَّا مَنْ أُوتِيَ كِتَابَهُ بِشِمَالِهِ فَيَقُولُ يَا لَيْتَنِي لَمْ أُوتَ كِتَابِيَهْ * وَلَمْ أَدْرِ مَا حِسَابِيَهْ * يَا لَيْتَهَا كَانَتِ الْقَاضِيَةَ" "الحاقة: 25-27"، يتمنى المجرم يوم الحساب أمرين؛ الأول: الموت الذي لا حياة بعده، وأنه لم يأخذ كتابه بشماله، بعد أن تحقق خسرانه وعقابه، وهذا التمني من المستحيل؛ لأنه يوم الحساب.

أخبار قد تعجبك

No stories found.
صحيفة سبق الالكترونية
sabq.org