انتقل صديقي للتو من وظيفة حكومية إلى أخرى. وظيفته السابقة كانت في منشأة حديثة، تراعي جميع الجوانب البيئية الملموسة، التي تشمل جودة المبنى، ومراعاة الجوانب الجمالية والمكونات التي تضفي لمسة إنسانية على المكان.
عوامل جودة بيئة العمل التي ذكرها صديقي ليست أشياء تعجيزية أو رفاهية مبالغ فيها، وإنما هي أشياء بسيطة، ولكن أثرها على الموظف كبير جدًّا.
من الأشياء التي ذكرها -على سبيل المثال لا الحصر- توزيع وترتيب المكاتب، مراعاة التهوية الطبيعية، وأيضًا الإضاءة، ركن للقهوة في كل إدارة، ومساحات مبتكرة لتوليد الأفكار الإبداعية، وغيرها من الطرق التي تضفي على المنشأة لمسة إنسانية، تجعل من بيئتها أكثر ألفة.
في الحقيقة، شعرت في الوهلة الأولى عندما عبّر صديقي عن صدمته الحضارية من جراء انتقاله لمقره الجديد بأنه مبالغ ومتذمر، ولكن عندما وقفت بنفسي على بعض مقار العمل الحكومية وبيئتها المادية تأكدت أن معاناة صديقي حقيقية؛ فالكثير من الدوائر الحكومية للأسف لا تهتم بالبيئة الداخلية ومدى انعكاسها على نفسية وأداء الموظف.
في واقع الأمر، عندما قررت أن أتفق مع صديقي فيما طرح فأنا هنا لا أقصد بيئة مادية كالتي نراها في Google أو Apple ، ولا أدعوا إلى تغيير مقار ومباني بعض الجهات الحكومية المملوكة؛ فقد يكون هذا ضربًا من اللامنطقية، وإنما أدعو إلى خلق بيئة عملية ممزوجة ببعض الجوانب الترويحية. وأعتقد أن هناك الكثير من النماذج لدينا في السعودية التي تميزت بإيجاد بيئات عمل داخلية أكثر ألفة وإنسانية.
السؤال هنا: من هي الإدارات الموجودة الآن في الجهات الحكومية التي قد تتولى زمام المبادرة؟ باعتقادي إن إدارات التواصل الداخلي هي المعنية بالمساهمة في توفير بيئة عمل أكثر إنسانية بعيدة عن الجمود والملل متى ما توافر لها التمكين المطلوب، بيئة يكون العمل فيها منتجًا ومريحًا وممتعًا في الوقت نفسه.
فمن غير المعقول في الوقت الحالي، وفي ظل النقلة التطويرية التي يشهدها الجهاز الحكومي، ألا يتم مراعاة الجوانب الإنسانية البسيطة التي قد تتمثل في أبسط صورة لها في ماكينة قهوة، تقبع في نهاية الممر.