
يؤكد الكاتب والمحلل السياسي، الدكتور خالد محمد باطرفي، لـ"سبق" أن الزحف السريع لقوات المعارضة السورية الذي تم الإعداد له على مدى 5 سنوات من التدريب، والتخطيط، والتهيئة كان ينبئ عن توافق دولي على إنهاء الهيمنة الإيرانية على دول المنطقة، بدأ بغزة ولبنان فسوريا.
ويضيف الدور الآن ينتظر البقية، والتوقيت لهذا المشروع التصحيحي يشير إلى ذلك، فبعد أن ضعفت إيران، ودمرت أذرعها في المنطقة، وبعد توريط روسيا في مستنقعات أوكرانيا، جاء الدور على حلفاء الطرفين. وعليه، وكما توقعت، انهارت حجارة الدومينو واحداً بعد الآخر.
ويقول باطرفي: "لم يجد النظام السوري من ينجده هذه المرة، فالعام 24 ليس كالعام 15، فالنظام الحاكم فقد مشروعيته ومصداقيته، وكانت أمامه فرص عديدة لإصلاح الجسور مع حاضنته العربية والشعبية، والقوى الإقليمية والدولية، بقبول قرار مجلس الأمن 2030 (2015) واتفاقية جنيف 3 (2016)، لانتقال سلمي للسلطة أو تطبيق اتفاق الاستانة في 2017 في الحد الأدنى لوقف التصعيد، ولم يستفد منها، وقدّم له العرب في قمة جدة العام الماضي، وفي قمة الدوحة، وقمة الخليج هذا العام، فرصة أخيرة، لتنفيذ شروط عودته للجامعة العربية، بتطبيق القرارات الأممية، وعودة اللاجئين، بضمانات أمنية وتسهيلات معيشية، مدعومة من الدول الخليجية، والبدء في مشوار المصالحة والانتقال السلمي، وإيقاف إنتاج وتصدير المخدرات، وأضاعها بالمماطلة والخداع، ومدت له تركيا يدها لحل المشاكل العالقة معه، ومع المعارضة السورية المدعومة من أنقرة، فرد بالرفض حتى الانسحاب التركي الكامل، وخرق اتفاق التهدئة، المضمون من روسيا وإيران، بقصف إدلب".
ويكشف الكاتب والمحلل السياسي الدكتور خالد باطرفي أن الإشارات الساطعة والنذر البينة جاءت للنظام السوري خلال مرحلة تصفية المليشيات الإيرانية في غزة ولبنان، والقصف الإسرائيلي للوجود الإيراني في سوريا، وتمسك رغم ذلك بخيار محور المقاومة فأغضب الحليف السري الذي حمى عرشه وعرش والده منذ نصف قرن، إسرائيل، وهكذا فقد النظام كل حصونه، وتفرق جمعه، وخسر ولاء حتى جنده الذين اختطفوا من بيوتهم ومدارسهم ليقتلوا أشقاءهم، ويدمروا بلادهم، أما الجماعات الإرهابية التي كانت تتخادم معه، فقد انتهت صلاحيتها هي الأخرى، من داعش إلى القاعدة، وخرج من رحمها جند منظمون، وطنيون، متسامحون ومنفتحون. وانقلبت هي الأخرى عليه.
ويؤكد باطرفي أن "الهلال الشيعي" بخروج سوريا انكسر ظهره، وبتطويق وتحجيم حزب الله، اقتلعت أنيابه، وبقفل الممر البري والجوي بين طهران وبيروت تقطعت أوصاله، والتوافق الدولي الجديد، الذي تجلت أحد ملامحه في لقاء الدوحة بين رعاة اتفاق الاستانة، إيران وتركيا وروسيا، لأول مرة بحضور خمس دول عربية، السعودية ومصر والأردن والإمارات وقطر، والآخر بقصف أمريكا لقوات الحشد الشعبي العراقية التي حاولت الدخول عن طريق معبر بوكمال، وقوات حزب الله التي دخلت مدينة القصير السورية على حدود لبنان الشمالية، ورفض كل من إدارة بايدن والرئيس المنتخب ترامب والاتحاد الأوروبي وبريطانيا لمد يد العون لحكومة بشار، مذكرين برفضه تنفيذ القرارات والاتفاقات الدولية، وحربه على شعبه، واستعانته بروسيا وايران.
ويشير إلى المرحلة القادمة تبدو مبشرة بالخير، وهنا نشير إلى التصريحات، والخطوات العاقلة، والتصالحية للمعارضة، وتماسك صفوفها وحسن إدارتها للمناطق المحررة، إضافة لتواصلها الإيجابي مع القوى الدولية الفاعلة، وحمايتها للجاليات الأجنبية والطوائف المحلية، وحتى القوات والمليشيات الإيرانية المنسحبة، والقوات السورية المستسلمة، مع الإبقاء على الحكومة، والأمن، والشرطة، واستمرارية عملها، وما يلي استباب الأمور، لا يقل أهمية. ففي المرحلة القادمة تبدأ عملية الانتقال السلمي للسلطة بمشاركة جميع الطوائف، والعودة إلى الحاضنة العربية والإسلامية، وبناء الجسور الدولية، وبدء مشروع إعادة التوطين والتعمير، فمعظم سكان سوريا جرى تهجيرهم، وتسليم مناطقهم لطوائف إيرانية، وأفغانية، وباكستانية، وعراقية، هؤلاء سيعودون إلى بيوتهم ومصانعهم، ومزارعهم بما لديهم من أموال ومهارات وخبرات، وهم بحاجة إلى بنية تحتية هائلة بعد حرب تدميرية استمرّت 13 سنة عجافًا.
ويضيف: الآن يأتي دور المجتمع الدولي، والمغترب السوري للاستثمار المجدي لجميع الأطراف، وهذه الخطوة بحاجة إلى بيئة استثمارية وقانونية مشجعة وضامنة، كما تشارك فيه الموارد الوطنية المستلبة بعد استعادتها، بخروج القوات الأجنبية واحتواء الأقليات كالأكراد، والتركمان، والعلويين، والشيعة، والنصارى، واليزيديين، واليهود، فـ80٪ من الإنتاج النفطي تحت ادارة "قسد" الكردية، وحماية أمريكا وإسرائيل، والباقي في الشمال الغربي المسترد.
ويوضح أن المشهد السوري ما زال يتشكل ويتحول، والأمل في أبناء سوريا الأحرار أن يواصلوا على قلب رجل واحد الزحف المبارك الذي لم ينته بتحرير دمشق، فالانتصار في التحديات القادمة هو الذي سيقرر عودة "قلب العروبة النابض" إلى مكانته الطبيعية بين أشقائه والعالم من حوله، ويحدد مستقبله.