ودَّع أبناءه وأغلق مكتبه وصعد "البلاك هوك" ثم غاب .. رمضان بلا "منصور بن مقرن"

#كانوا_معنا تعرض سيرة "الأمير الذي لا يهدأ" بعد 195 يوماً من رحيله .. دموع وذكرى
ودَّع أبناءه وأغلق مكتبه وصعد "البلاك هوك" ثم غاب .. رمضان بلا "منصور بن مقرن"

يحل شهر رمضان المبارك لهذا العام 1439 هـ، دون الأمير الراحل منصور بن مقرن؛ نائب أمير منطقة عسير، الذي اعتادت الأنفاس على رحيقه أينما حلّ، وأجمعت القلوب على محبته، وألفته النفوس قبل أن يلقاها.

رحل الأمير منصور؛ عن دنيانا قبل 200 يوم؛ إثر سقوط طائرة "البلاك هوك" في جبال محايل عسير، تاركاً خلفه سيرة عطرة، ومواقف نبيلة، وأفعالاً عظيمة، تخلد ذكراه، وتجعل منه "أيقونة" التواضع والأخلاق الرفيعة، والصدر الرحب والابتسامة الصافية، ليس في عسير فحسب؛ لكن في المملكة.

وصل "منصور بن مقرن"؛ إلى عسير، عقب تعيينه نائباً لأمير المنطقة، في 25 رجب عام 1438 هـ، بعد أدائه القسم أمام خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان بن عبدالعزيز؛ ذاك القسم الذي استشعر الراحل كل متطلباته، بعدها انطلق للعمل، بمعية الأمير فيصل بن خالد؛ وأذهل الأمير منصور؛ بتحركاته ملايين المواطنين، وسُمي بـ "الأمير الذي لا يهدأ"؛ حيث كان يزور المحافظات، ويفتتح المشروعات، ويقف مع رجال الحد الجنوبي، ويواسي أبناء الشهداء، وسجّل حالة الإعجاب بين المواطنين على نطاق واسع، إثر مقطع فيديو يظهر مشاركته بنفسه في تنظيف متنزه بمنطقة عسير.. وقال جملته الشهيرة: "هذي ما يبي لها حملة نظافة.. هذي يبي لها سنة عشان تنظف".

وتشير السيرة الذاتية للأمير الراحل، إلى أننا أمام "مجموعة إنسان"، أحب وطنه وأخلص له، وسعى ـ بحكم منصبه ـ إلى إسعاد أهالي عسير جميعاً، بيد أن القدر لم يمهله طويلاً حتى يحقّق ما كان يخطط له، فاسترد الله أمانته، وكان خبر رحيله علقماً، يتداول على لسان المواطنين والمقيمين، الذين يتذكرون اليوم إنجازاته ومواقفه، فيترحمون عليه، ويسألون الله، له العفو والغفران، ولذويه الصبر والسلوان.

ورغم رحيل الأمير منصور بن مقرن؛ قبل نحو 195 يوماً من الآن، وتحديداً في 5 نوفمبر من العام الماضي، إلا أن مواقفه مازالت شاهدة على ما يتمتع به من حب وتقدير وعرفان في قلوب أهالي عسير، فكان يحنو على الصغير، ويوقر الكبير، وينصت للجميع، ويطمئنهم بأن أمنياتهم وأحلامهم ستكون محل اهتمامه الشخصي، لذا لم يكن غريباً أن تكون فترة الـ 200 يوم فقط، التي قضاها في منصبه نائباً لأمير عسير، كفيلة للاستحواذ على حب أهالي عسير كبيرهم وصغيرهم، فلم يشعر أهالي عسير أنهم يتعاملون مع حاكم إداري "حكومي"، وإنما مع أخ أو صديق أو جار، يسكن بجوارهم، يطرق عليهم أبوابهم في أيّ وقت، وينصت لحديثهم، ويسجل مطالبهم بعد أن يناقشها، ويوجّه مساعديه بضرورة تلبية هذه المطالب في أسرع وقت ممكن.

ولعل ما يحزن أهالي عسير على فراق أميرهم، أن وفاته جاءت في وقت كان فيه الأمير الشاب يحلم بالنيابة عنهم، في تطوير عسير، وتحويلها إلى مدينة مثالية في السياحة والاقتصاد وجذب الاستثمارات.

وقُبيل الرحيل، شارك الأمير المصطافين والسكان في فعاليات وبرامج قرية عسير التراثية في موسمها الثالث، ضمن برامج مهرجان "أبها يجمعنا"، في متنزه السودة السياحي، وافتتح مقر نادي عسير الفوتوغرافي بمركز الملك فهد الثقافي بالمفتاحة، ثم اقتربت لحظة الفراق المؤلمة، عندما ودّع أبناءه وأغلق مكتبه، وصعد طائرة "البلاك هوك" بصحبة مسؤولي المنطقة في زيارة أهالي محافظة "البرك"، ووصل إلى هناك مزهواً فرحاً ينثر عبق الابتسامات بين أرواح السكان.

وتفقد مخططات الجزر التابعة للمحافظة، وتساءل عن رياضة الغوص وإمكانية تأسيس أندية لها، وأيضاً مدى الإقبال على موسم المنطقة السياحي، ووقف على الشاطئ وسأل عن الخدمات وطريقة وصول المياه إلى الأهالي، وقبل المغادرة حقّق رغبة كل مَن أراد التصوير معه، وخصوصاً طفلة صغيرة كانت تحمل باقة الورد وطبع قبلة على جبينها، وغادر بلا عودة، تاركاً حلم عسير الذي لم تكتمل مشاهده، ووجوهاً باكية، أغرقتها الدموع، وكان آخر منظر رآه في حياته، جبال عسير، التي ودّعته، قبل أن تسقط خلفها الطائرة المنكوبة، ويتصاعد دخانها في المكان، معلناً وفاة أمير الأخلاق وجميع مَن معه.

والأمير منصور هو من مواليد مدينة الرياض عام 1974، ووالدته الأميرة عبطة بنت حمود بن فهد الجبر الرشيد، ومتزوج من الأميرة نورة بنت سعود بن فهد بن عبدالعزيز، وله من الأبناء اثنان، هما الأميرة ريما والأمير سعود.

رحم الله الأمير منصور بن مقرن؛ نظير ما أعطى لوطنه، ونظير ما أنجز لأهالي المملكة، فله منا الدعاء بالرحمة والمغفرة، ولنا فيه المثل الذي يُحتذى في الأخلاق والكرم والشجاعة وحب الدين والوطن.

أخبار قد تعجبك

No stories found.
صحيفة سبق الالكترونية
sabq.org