"بن معمر": الجوامع والمراكز الثقافية الشاملة هي مستقبل المكتبات العامة لتكون "مركز إشعاع معرفي"

روى قصة إصرار الملك عبد الله رحمه الله وكفاح 40 عامًا وحكاية شحاذ مكتبة شيكاجو
المشرف العام على مكتبة الملك عبدالعزيز العامة الأستاذ فيصل بن معمر
المشرف العام على مكتبة الملك عبدالعزيز العامة الأستاذ فيصل بن معمر

في كلمته كمتحدث رسمي في مؤتمر الاتحاد العربي للمكتبات والمعلومات في الدورة الـ"34" تحت عنوان "المكتبات ومؤسَّسات المعلومات العربية ودورها في تعزيز الاقتصاد وريادة الأعمال"؛ فأجأ المشرف العام على مكتبة الملك عبدالعزيز العامة الأستاذ فيصل بن معمر، أو ربما صدم بواقعية كبيرة الحضور من خلال شفافية عالية وذكريات طريفة تستند لمنجزات حقيقية؛ حيث دعا إلى "عدم التوسّع في المكتبات العامة في الوقت الحاضر بقدر التفكير في تكوين المراكز الثقافية شاملة، على أن تكون هذه المكتبات جزءًا من نشاطها" مبرّرًا بـ"بتطور هذه المراكز في خدماتها الثقافية التقنية، والتي يجب أن تكون قادرة على التفاعل مع كل فئات المجتمع عن بعد، وبذل كل ما تستطيع لإقناع المجتمع بجد "حتى لو ضررنا إلى استخدام مسميات تسويقية بدلًا من المكتبات والكتب"، وصولًا لدعوته لاقتراح آخر مبني على تجربة ناجحة يتمثّل في الاستفادة الكاملة من دور العبادة في الأحياء، وخصوصًا الجوامع.

دعم لا محدود

ورفع "بن معمر" خالص شكره وتقديره لمقام خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان بن عبد العزيز، حفظه الله، ولولي عهده الأمين صاحب السمو الملكي الأمير محمد بن سلمان بن عبد العزيز رئيس مجلس الوزراء، وفقه الله؛ لما تحظى به الثقافة والمثقفون من دعم ورعاية، ومتطرقًا للإشادة بدعم وجهود وزير الثقافة الأمير بدر الفرحان للمكتبات عمومًا وللمكتبات العامة خصوصًا.

40 عامًا من العطاء

وأضاف "بن معمر" عن اعتزازه بـ40 عامًا من عمله في خدمة وطنه في مسارات عديدة، وكاشفًا عن مواقف عديدة لافتة في مسيرته؛ ومن ذلك شعوره بـ"الصدمة" عند تعيينه مشرفًا لأول مرة للمكتبة؛ وذلك لمعرفته بعدم شعبية الكتب والمكتبات، ولكونه ليس من المتخصصين في علم المكتبات والمعلومات، ومشيرًا لما واجهه من شعور بعض المتخصصين نحوه؛ لكونه غير ذلك مما دفعه لبذل المزيد من الجهود.

ووصف "بن معمر" تلك المرحلة بقوله: "عشت 40 عامًا في قصة حب وشغف بالمكتبات، إلى الدرجة التي عندما دارت بي الدنيا انتقلت من التعليم إلى تأسيس الحوار الوطني والحوار، مرورًا بحوار الأديان والثقافات و"سلام" للتواصل الحضاري، ضمن مسؤوليات شرفتني الدولة، أعزّها الله، بها، وها أنا أعود لمكتبة الملك عبدالعزيز العامة؛ لأرى أن هذه المكتبة، ولله الحمد، أصبحت من المكتبات الرائدة في العالم العربي، وأصبح لها حضورها المتميّز بعد هذه التجربة الطويلة".

إصرار الملك عبدالله

وروى "بن معمر" في كلمته إصرارَ الملك عبدالله بن عبد العزيز، رحمه الله، على أن تكون المكتبة -كانت من المشاريع الخيرية- مكتبة عامة، ولتكون مؤسسة الثقافية والتعليمية وفكرية تعمل على حفظ التراث الثقافية والإنسانية والفكرية لخدمة القراء وأفراد المجتمع بجميع فئاته، وأن تكون مجانية ومصدرًا للاختيار وتزويد بقية المكتبات، وتطرّق لقصة طريفة رواها له أحد مديري المكتبات الأمريكية في شيكاغو؛ حيث لاحظ مديرُ المكتبة دخولَ أحد المشردين للمكتبة كل يوم، ويعمد للنوم فيها واضعًا من بعض الكتب مخدة له؛ مما اضطرّ مديرها بعد أيام إلى طرده لقوم الأخذ بمقاضاته والحصول على تعويض كبير؛ حيث رأى القاضي أن الفرصة كانت مواتية لأن يقرأ كتابًا ربما يغير مجرى حياته.

واستعرض "بن معمر" مسيرة حافلة لمكتبة الملك عبد العزيز، طيب الله ثراه، في المملكة وفي أنحاء عديدة من العالم خلال أربعة عقود، مؤكدًا أنها خلال ذلك دعمت تاريخ التراث الثقافي الوطني، ومستشهدًا حول ما دعا له بتجربة ناجحة تمت في مؤسسة الملك عبدالعزيز للدراسات الإسلامية والعلوم الإنسانية في المغرب؛ حيث تعمل المكتبة على سطح المسجد، وقد نجحت نجاحًا كبيرًا.

افتقاد المكتبة المدرسية

واستذكر "بن معمر" أهمية المكتبة المدرسية، وكيف غابت الآن بكل تأثيرها الجميل: "أذكر حينما كنا صغارًا كان هناك توجه جميل في المدارس متى نشيط المكتبات المدرسية، وكانت مؤثرة، ولكنها للأسف افتقدناها؛ حيث كنت من المستفيدين من المكتبات المدرسية".

ورأى "بن معمر" في طرحه ومقترحاته ضرورة أن تكون المكتبات العامة جزءًا من تكوين المراكز الثقافية شاملة، والتي يجب أن تكون قادرة على التفاعل مع كل فئة من المجتمع، وأهمية الاستفادة من الجوامع لإضافة مساحات أو مواقع فيها، سواء على سطحها وفي حدائقها بحيث تصبح هذه المنابر الدينية مراكز للمعرفة الشاملة، ومراكز إشعاع معرفي بكل ما تعنيه كلمة إشعاع من معنى".

تجربة ناجحة

وقال مستشهدًا: "عندنا تجربة حقيقية في مؤسسة الملك عبد العزيز للدراسات الإسلامية والعلوم الإنسانية في المغرب، وضعنا المكتبة على سطح جامع الملك عبد الله الذي أسس في الدار البيضاء، ونجح الأمر لتصبح مؤسسة ثقافية".

وختم المشرف العام على مكتبة الملك عبد العزيز العامة، بالتأكيد على الارتباط الوثيق بين الثقافة والمعرفة، داعيًا وزارة التعليم إلى أن تكثف برامجها وتطبيقاتها التي تساعد في غرس حبّ القراءة والاطلاع عند الأطفال، متفائلًا بما لمسه من شباب الجيل الحالي من ثقافة واسعة وانفتاح كبير "من خلال اجتماعاتي وجدت معطيات شبابية متنوعة، وجدت أنهم أفضل بكثير من عهودنا السابقة، جيلنا الحالي ولله الحمد أفضل عمليًّا، ولا يفترض أن تكون ثقافتهم شاملة، ولكن هو سعيهم بصدق".

مسيرة حافلة

جدير بالذكر أن معالي فيصل بن عبد الرحمن بن معمر، والأمين العام السابق لمركز الملك عبد الله بن عبد العزيز العالمي للحوار بين أتباع الأديان والثقافات، والذي يقع مقره في فيينا، وصاحب مسيرة حافلة بالنجاحات على مدار عقود، أشرف على العديد من المبادرات المحلية والعالمية التي تهدف إلى تعزيز الحوار والتسامح والتفاهم بين أتباع الأديان والثقافات، على المستويات المحليّة والدوليّة، كما أشرف على مبادرات بناء المعرفة، وأشرف على تأسيس مركز الملك عبد العزيز للحوار الوطني، "KACND"، ومقره العاصمة السعودية الرياض، وتولّى منصب نائب رئيس مجلس أمناء والأمين العام "المؤسس" السابق، كما أنه يشغل منصب المشرف العام على مكتبة الملك عبد العزيز العامة.

أخبار قد تعجبك

No stories found.
صحيفة سبق الالكترونية
sabq.org