لطالما كان للشعر عند العرب منزلة عالية، ومكانة مرموقة؛ فقد كان الشعر وسيلة لحفظ التاريخ، وتمجيد الآثار، والرد على الأعداء، والتفاخر بالأنساب والمناقب، ورثاء الأحباب، وتخليد قصص العشق والهيام.. فقد كان الشعر أسلوب حياة لدى العرب منذ العصور الأولى، وهو ما منح الشاعر مكانة مميزة لديهم؛ لكونه لسان حالهم، والمتغني بأمجادهم ومآثرهم، وقوتهم الناعمة في الوقت الذي لم يكن فيه ذلك المصطلح قد ظهر للوجود بعد.
وقد أقام العرب أسواقًا للشعر، كما أقاموا أسواقًا للبضائع والمأكولات، في دلالة على أهمية الشعر في حياتهم، وقربه إليهم، وكونه لا يقل أهمية عن المأكل والمشرب.
ومن بين تلك الأسواق التي أقامها العرب سوق عكاظ، وذي المجاز، ومجنة.. وفيها كان تُلقى القصائد الشعرية، والمعلقات، في فنون وأنماط الشعر كافة، من رثاء، وفخر، وهجاء، ومدح، وغزل.
ولا شك أن الشعر هو أحد أبرز الفنون الأدبية، وأقربها لقلوب وذائقة المتلقين حتى وقتنا الحاضر؛ الأمر الذي دفع السعودية من خلال جلسة مجلس الوزراء برئاسة خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان بن عبدالعزيز –حفظه الله– إلى تسمية عام 2023 بـ"عام الشعر العربي"؛ لتكون فرصة للاحتفاء بهذا الفن الأدبي العذب.
ويمثل تسمية العام الجاري بـ"عام الشعر العربي" اعتزازًا بالهوية الوطنية، وما يرتبط بها من عناصر ثقافية؛ كون أرض الجزيرة العربية مهد الشعر، ومنها خرجت الثقافة العربية لتشع بنورها في الأنحاء، وهو ما يتماشى مع رؤية 2030 التي جعلت من إبراز الهوية الوطنية والثقافة السعودية ضمن مستهدفاتها الطموحة.
وبحسب ما أعلنت وزارة الثقافة، فإن ذلك الإعلان يستهدف تعزيز مكانة الشعر العربي في ثقافة الفرد، وإثراء الإبداع الشعري المتطور والمستدام، فضلاً عن إبراز المكون الحضاري الشعري، وتجذُّره في تاريخ الجزيرة العربية.
وتستكمل السعودية بتلك الخطوة مسيرة الاحتفاء بالثقافتين العربية والسعودية، بعد الاحتفاء في الأعوام القليلة السابقة بالقهوة السعودية، والخط العربي؛ كونهما أحد أبرز مكونات الثقافتين، وجزءًا من ثقافة ضاربة في عمق التاريخ، وجزءًا لا يتجزأ من مساهمة الإنسان السعودي في التاريخ الإنساني.