(القبيلة) جزءٌ أصيل من مكونات مجتمعنا؛ ولا يمكن تجاهل مكانتها، وما تلعبه من دور في بناء ووحدة المجتمع، وتعزيز مفهوم القيم الاجتماعية ، لكنها عندما تتجاوز حدود الحقوق والإنسانية يلزم وضع خط فاصل، يُخرجها من إطارها القبلي إلى قانون مدني، يجرم أي محاولة قبلية لإنهاء وطمس أي قضية عنف أسري.
ولعل تزايد حالات العنف الأسري التي تم رصدها مؤخرًا، وما أدت إليه في النهاية من حدوث جرائم مأساوية، كان امتدادًا لذلك التدخل القبلي في تلك القضايا الخاصة بالعنف الأسري.
فما إن تبدأ الشرطة إجراءاتها الرسمية بعد رفع الشكوى حتى تنتهي خلال ساعات أو ربما يومَيْن عندما يأتي شيخ أو نائب قرية أو أحد أعيان القبيلة للضحية، والمطالبة بالتنازل عن الشكوى بعد (حبة خشم) أو (رمي العقال والغترة)؛ لإيمانهم أن العنف الأسري (مسألة عائلية) فقط، ولاستشعارهم الخوف كعار وعيب قبلي من نقل وتناقل اسم العائلة والقبيلة في قضية عنف داخل أروقة الشرطة، ومن ثم تحويلها لجهات الاختصاص. وهكذا يتم ترميم الشكوى أو القضية دون محاسبة الجاني على جريمة التعنيف. وعلاوة على ذلك، لا تزال الضحية تحت سطوة العنف والتسلط اللذين يمارَسان ضدها.
إن المسؤولية بالدرجة الأولى في إيقاف ومنع هذه التدخلات والصلح القبلي في قضايا العنف الأسري تتحملها جهات مدنية عدة، إضافة إلى الهيئات الحقوقية الإنسانية التي تكتفي بتجريم العنف الأسري والاعتداء على النساء والأطفال بمختلف صوره دون سَنّ قوانين وأنظمة، تقطع وتجرم هذه التدخلات القبلية في قضايا العنف الأسري؛ لأنه من الواجب أن تكون المصلحة الإنسانية فوق كل المصالح والأفكار والممارسات القبلية؛ كونها تدخلات قبلية سلبية وهدامة، تقف وبقوة عائقًا أمام كل المفاهيم الأسرية والقيم الإنسانية ومبادئ العدالة وحقوق الإنسان والمساواة بين أفراد المجتمع.
أعلم أن هناك مَن يؤكد وجود أنظمة وقوانين خاصة لحماية المرأة والطفل من العنف الأسري، لكنها –للأسف- تظل تعاني ثغرات، جعلتها غير قابلة للتطبيق بحق الضحية أو المجرم؛ لأن التعامل في مجمله مع قضايا العنف الأسري يعد قضية عائلية اجتماعية، وليس جريمة جنائية.
لذا من الضروري التسريع في تشريع قوانين، تمنع من التدخلات القبيلة في قضايا العنف الأسري، وهو أحد أهم الضمانات الأساسية للحد من حالات العنف ضد المرأة والطفل في المجتمع.
همسة الختام:
(من المعيب أن يكون جلباب القبلية سترًا وغطاء، تتدثر به قضايا وجرائم العنف الأسري).