اعتاد الشارع العراقي منذ سنوات طويلة على سماع دوي الانفجارات في كل المحافظات، لكن حادثة فجر الأحد الماضي كانت جديدة نوعًا ما في الشخصية المستهدفة، والمنطقة المحظورة التي يصعب الوصول إليها، وكذلك فكرة الاستهداف بالطائرات المسيَّرة المفخخة التي اتضح أنها من السهولة الحصول عليها؛ وبالتالي خطورة أعمالها بيد الميليشيات.
المستهدف هو أكبر قادة العراق السياسيين، رئيس الوزراء مصطفى الكاظمي، أما الوسيلة فهي أكثر إثارة للدهشة والفزع، عبارة عن طائرات مسيَّرة محمَّلة بالمتفجرات، كانت تستهدف تحويل منزله في "المنطقة الخضراء" إلى ركام؛ وعلى ضوئه عبَّر العراقيون عن حالة الرفض لممارسات الميليشيات الإرهابية وأنشطتها الإجرامية علنًا في مظاهرات احتجاجية حاشدة، شهدتها العاصمة بغداد والمحافظات الجنوبية. وشهدت تلك المظاهرات رفع شعارات رافضة لتلك الممارسات، وللتدخلات الخارجية في الشأن الداخلي العراقي، إضافة إلى إحراق مقار بعض الميليشيات الإرهابية، وكذلك التعبير عن حالة الرفض والاحتجاج عبر مواقع التواصل الاجتماعي.
وجاءت الإدانة للحادثة الشنيعة والجريئة من دول العالم أجمع، وفي مقدمة دول الجوار الدول الخليجية والعربية. فإضافة إلى بيان المملكة العربية السعودية الذي استنكر الاستهداف، فقد دان الرئيس الأمريكي "جو بايدن" محاولة الاغتيال التي وصفها بـ "الهجوم الإرهابي"، وقال إنه "شعر بالارتياح" بعد العلم بأن الكاظمي لم يصب بأذى. وأيضًا استنكر الاتحاد الأوروبي محاولة الاغتيال، وقال: "إن مرتكبي الهجوم يجب أن يحاسَبوا"، بينما دانت بريطانيا وحلف شمال الأطلسي (الناتو) والأمين العام للأمم المتحدة أنطونيو غوتيريش الهجوم من أولئك الذين يستخدمون العنف لتقويض العملية الديمقراطية في العراق.
وتتعمد الميليشيات الإرهابية في العراق بممارساتها واستخدامها السلاح استهداف رموز الحكومة العراقية، وتقويض قدرة الدولة في المحافظة على مقومات استقلالها وسيادتها وقوتها، ومنها منع التدخلات الخارجية، والسيطرة الكاملة على أراضيها.
وأثارت ممارسات الميليشيات غضب الشارع العراقي، ورفضه الشديد لها، ولاسيما تجاوزاتها في المناطق المحرَّرة من سيطرة تنظيم "داعش" من تهجير للأهالي، واعتقالات، وخطف على الهوية، وإخفاء قسري بزعم انتمائهم للتنظيم، إضافة إلى قمع الشبان والفتيات المتظاهرين سلميًّا في العاصمة بغداد وفي المحافظات الجنوبية ذات الأغلبية الشيعية إبان أحداث ثورة تشرين، واختطاف الناشطين السياسيين واغتيالهم.
ومجددًا أثارت طريقة الاستهداف والشخصية المستهدفة الذعر بين العراقيين على مختلف طوائفهم ومشاربهم.. مشيرين إلى أن ذلك سيعود بهم للخلف، ويقوِّض التوجه الجديد للحكومة في فتح كل الآفاق مع دول العالم في كل المجالات، ومن أهمها الأمنية والاقتصادية؛ إذ يمر البلد حاليًا بصحوة ينتظر لها أن ترسم خارطة العراق الجديد الآمن.
وقال فاتح عبدالسلام، في صحيفة "الزمان" العراقية: "لا يمكن النظر إلى محاولة اغتيال رئيس الحكومة من منظار المصادفة الانفعالية الظرفية لتصعيد تظاهرات أو لتداعيات انتخابات أو تظلم ما؛ فالهدف هو ضياع البورصة، وخلط الأوراق كنوع من الصدمة التي تأتي بعدها صفحات أخرى، يكون مخططًا لها بحسب من يريد وضع البلد على حافة الهاوية".
وأضاف الكاتب: "قرار الاغتيال هو الصفحة الأولى من الانقلاب الفوضوي، ولا أقول العسكري. وإن المحاولات ستتكرر نحو أهداف أخرى ما دامت اللادولة طليقة، والدولة المرجوة والمتوقعة رهن الاعتقال التعسفي بأسماء شتى، منها دستور معطل، وقوانين محنطة، وتوافقات وإرادات إقليمية ودولية ضاغطة".
يُشار إلى أن الناطق باسم القائد العام للقوات المسلحة، اللواء "يحيى رسول"، أكد أن الجهود الاستخباراتية في التحقيقات حول استهداف منزل رئيس الحكومة العراقي، مصطفى الكاظمي، تمكنت من تحديد موقع إطلاق الطائرات والمسار الذي اتخذته، وكشف أن "التحقيقات الابتدائية الأولية تشير إلى انطلاق هذه الطائرات من مناطق شمال شرق بغداد".
وقال "رسول" إن "الطائرة الأولى استطاعت الوصول إلى هدفها (منزل الكاظمي)، ووقعت أضرار مادية، إضافة إلى إصابات طفيفة" بين عناصر القوات المسؤولة عن حماية رئيس الوزراء العراقي.
وأضاف بأن هذه الإصابات ليست بأعداد كبيرة "يتراوح عددهم بين سبعة إلى عشرة من رجال الأمن". مؤكدًا عدم وقوع إصابات بين صفوف المدنيين. وفيما يخص الطائرة الثانية قال رسول إن قوات الأمن تمكنت من التصدي لها، وإسقاطها.
وأكد أن الجهود الاستخباراتية بدأت تحقيقها مباشرة بعد وقوع الحادثة، مضيفًا: "تم التوصل إلى بعض أجزاء الطائرة، إضافة إلى العثور على مقذوفات كانت تحملها هذه الطائرة".