مَنْ يكسب السباق.. كورونا أم (الكورة)؟

مَنْ يكسب السباق.. كورونا أم (الكورة)؟
تم النشر في
 
لم يسعني إلا أن أضحك لدرجة البكاء وأنا أتابع خبرَيْن، شاءت الأقدار أن يكون محورهما العنصر المادي. الخبر الأول مفاده أن هناك عرضاً من نادي النصر لنادي الرائد بمبلغ اثني عشر مليون ريال، مقابل أن يوافق رئيسه الأستاذ عبد العزيز المسلم ليتنازل عن تمسكه باللاعب عبدالعزيز الجبرين لنادي النصر، نظير وعد شرف قطعه على نفسه بأن يذهب اللاعب للنادي المنافس الهلال. والخبر الثاني مفاده ـ كما جاء في "سبق" ـ أن البروفيسور طارق مدني رئيس شعبة الأمراض المُعدية بكلية الطب بجامعة الملك عبدالعزيز قال إن الأبحاث التي تم إجراؤها خلال الفترة الأخيرة نجحوا من خلالها في عزل فيروس ميرس كورونا، وإثبات علاقة الإبل بنقل حمى كورونا للإنسان. وقد نفى د. مدني في ثنايا الخبر - وهو المهم - إجراءهم أبحاثاً لاكتشاف مصل لحمى كورونا، وقال: "لم نقم بإجراء الأبحاث الخاصة بالمصل لعدم وجود الإمكانات المادية والقوى البشرية اللازمة لذلك، إلا أن البنية التحتية اللازمة من معامل للحيوانات ومختبر للفيروسات الخطرة متوافرة بمركز الملك فهد للبحوث بجامعة الملك عبدالعزيز، ولكن يحتاج إلى دعم للقيام بذلك".
ماذا عساي أن أقول بعد ذلك إلا يا للهول. وباء شبه مجهول الهوية، ويفتك بالبشر في جميع أنحاء السعودية، وتتابعه كل أجهزة الإعلام في العالم أجمع، وقد يكون عائقاً أمام الحجاج لموسم هذا العام - لا قدر الله - حسبما جاء في الواشنطن بوست، وبخبر منقول في "سبق"، مفاده "وقالت الصحيفة إن هذا الفيروس الخطير يُعد أحد أكبر المخاوف التي تواجه المهتمين بالصحة العالمية والأمراض المعدية، واعتبرت أن موسم الحج في السعودية سيكون مكاناً لانتشار الوباء في أنحاء العالم، وخصوصاً دول شرق آسيا، ما لم تعالج وزارة الصحة السعودية هذا الأمر، وتقضي عليه". وللأسف، تقف وزارة الصحة موقف المتفرج، وتُباع لحوم الإبل وحليبها في كل مكان، وتقدَّم أكبادها وجبة إفطار شهية للغالبية العظمى من المواطنين.
والفارق يظهر في التناول الإعلامي للخبرَيْن. ففي الخبر الأول، وعلى مدى أسبوعَيْن، وضعت كل القنوات الرياضية والصفحات الرياضية ووسائل التواصل الاجتماعي هذا الخبر في صدر أولوياتها، ورتبت أجندتها على هذا الأساس.
في حين لم تعدِّل القنوات الفضائية المحلية والعربية والمحسوبة على إعلامنا السعودي في أجندتها، ولم تضع هذا الوباء في أعلى سلم أولوياتها، واستمرت تمارس أنشطتها الإعلامية كافة مطرزة بأجمل الأغاني ومسابقات اختيار أجمل الأصوات للغناء، وإن جاء ذكر كورونا فمن باب عدد الضحايا، وترويع المشاهدين والمستمعين، أما متابعة الموضوع ميدانياً فلا جديد.
وأعقب ظهور حمى الوادي المتصدع، حتى تلاشي خطره جزئياً، حالة من الاسترخاء من قِبل وزارتَيْ الصحة والزراعة، بشكل غير مبرر، وكأن شيئاً لم يكن. وهذه طبيعة التخطيط العلاجي في كل زمان ومكان، يثور لظهور مؤثر كوباء أو مرض ما، ولا يلبث أن يزول بمجرد تلاشي ذلك المؤثر، بدلاً من تتبُّع الأسباب، ومحاولة تجفيف منابع ذلك المؤثر بكل ما أُمكن من وسائل، وهو ما يسمى بالتخطيط الوقائي. وزيارة واحدة لأسواق بيع وجلب الأغنام والإبل والأبقار توضح الصورة كاملة، ويكفيك أن ترى أصحاب الماشية وهم نيام بجانب حظائر مواشيهم. وبعيني رأيت رش المبيد في أحد مسالخ الرياض أثناء ذبح قعود (حاشي)، وقد غظت غيمة المبيد الذي كان يُرش بالبخ جسم القعود وهو مسلوخ بالكامل، وقمت بإبلاغ إدارة المسلخ، وفوجئت بأن هذه تعليمات البلدية؛ فقدمت شكوى للبلدية، ولم أحصل على جواب حتى اليوم، لكن المهم أنني متأكد أن هذه المخالفة، وغيرها كثير، ما زالت تمارَس نتيجة الجهل أو الاستهتار.
من المفارقات العجيبة أن الأندية في العالم أجمع تخسر على لاعبيها ملايين الريالات، وبتمويل خاص، وتعالجهم في أشهر المراكز المحلية أو العالمية؛ ولذلك نرى أن الناتج في الغالب يوازي ما أُنفق على اللاعب، في حين أن وزارة الصحة تموَّل ميزانيتها - وهي الأعلى - من الحكومة، ومع ذلك لا تُنفِق بسخاء على الجانب البحثي في موضوع الأوبئة، بالرغم من العديد من التجارب المؤلمة في التعامل مع أكثر من فيروس، والسعودية تستضيف على مر العام العديد من الحشود التي تأتي من شتى أصقاع العالم للعمرة والزيارة، أو الحج، وقد تحمل هي نفسها بعض هذه الأوبئة؛ ما يُشكِّل عبئاً إضافياً وحاجة ملحة على الوزارة لتكثيف نشاطها في المنافذ الجوية والبحرية والبرية للكشف على المعتمرين والحجاج، وأخذ عينات على فترات متقاربة على مدار العام، لمنع أية فرصة لدخول أو تكاثر فيروس في ظروف غامضة. وكذلك المفروض على وزارة الزراعة الكشف على المستورَد من بهيمة الأنعام، ومراقبة الحظائر، والقيام بالزيارات العشوائية لها من حين لآخر، وأخذ عينات، ودراستها على مدار العام.
وأهيب بالهيئة الوطنية لمكافحة الفساد أن تلزم مؤسسات القطاع الخاص، الذي تشارك فيها الحكومة بنسبة 25 % من رأسمالها، وتدخل ضمن اختصاصات الهيئة، بالاضطلاع بمسؤوليتها الاجتماعية التي لم نسمع عنها بعد، وتساهم بدعم مادي سخي للبروفيسور المدني وفريقه العلمي، دعماً لهذا الوطن العظيم.
وأخيراً، هل تنجح الرياضة في كسب السباق وإتمام صفقة اللاعب الجبرين أولاً، أم يكون لوزارة الصحة كلمة الفصل هذه المرة، وتقوم بتمويل البحث العلمي المتعثر، وتحرز بذلك قصب السبق؟.. كلي أمل ورجاء. 

أخبار قد تعجبك

No stories found.
صحيفة سبق الالكترونية
sabq.org