قال الناقد الفني وعضو الجمعية السعودية للثقافة والفنون تركي بن سعد الحربي: إن السينمائيين انقسموا حول العالم إلى فريقين، وذلك في فهمهم وإجابتهم عن السؤال الذي يتردد: هل السينما هي مرآة المجتمع؟
وأضاف: "ذهب فريق منهم بإجابته على هذا السؤال أن السينما هي بالتأكيد مرآة الواقع وانعكاسه عبر ما تنقله عدسات الكاميرا، ويعرض على شاشتها الفضية، وزاد البعض منهم إلى ما هو أبعد من ذلك، بأن دور السينما يتجاوز كونها أداة تنقل الوقائع؛ إنما هي إحدى وسائل ولغات الحوار لكنها تتميز عن باقي اللغات بأنها تقدم في وعاء فني وإبداعي يجتهد فيه صناعة بالتعبير البصري؛ للوصول إلى أعلى درجات معايير الإقناع والفهم عند المشاهدين".
وتابع المختص "الحربي": "أما الفريق الآخر يرى بأن السينما ليست مرآة للمجتمع إطلاقاً؛ لأن المرايا تنقل وتعكس الواقع، وفكرة النقل والنسخ تتعارض مع مفهوم الفن وغير مقبولة عند المبدعين، والسينما هي حالة جمالية تحاكي الحياة، يبدعها موهوبون يملكون خيالًا يمكنهم من صناعة عوالم افتراضية توازي العالم الحقيقي، ومن صميم هذا الاختلاف نستطيع أن نصل إلى إجابة مرضية إلى حد ما لكلا الفريقين، وهي أن السينما تتضح في فهم صنّاعها لها، والذي يظهر من أفلامهم التي يحاولون من خلالها إيضاح الرسالة التي يريدون إيصالها عبر أساليب الإبداع البصري، سواء كان أسلوبًا فلسفيًا عميقًا أو توضيحيًا مباشرًا، فلا يكترث صناع السينما السعودية لهذا الخلاف الأزلي بين السينمائيين".
وأردف: "بما أننا بالمملكة نريد أن نخطو أولى خطواتنا في صناعة السينما، ونريد أن تكون هذه الخطوة عبارة عن قفزة تصل بنا إلى النقطة التي انتهى عندها الأخرون، ولكي يتحقق ذلك يجب أن يؤسس له ركيزة وقاعدة صحيحة كي تبنى السينما السعودية وتصل للعالمية بشكل صحيح، وتقع هذه المسؤولية على عاتق المسؤولين بالجهات الحكومية المعنية بصناعة الترفيه وإنشاء الأسواق التجارية، كوزارات الثقافة والإعلام والتجارة وهيئتي الترفيه والسياحة، وتكون مسؤوليتهم عبر تقديم الدعم المادي والمعنوي للمواهب والكفاءات الوطنية في مجالات السينما، وكذلك في منح التسهيلات للمستثمر الأجنبي الذي يرغب بالاستثمار في صناعة السينما بالسعودية، لهدف استقطاب مزيد من رؤوس الأموال الأجنبية من ذوي الخبرة والاحترافية في هذا القطاع".
وأضاف: "لا تقتصر مسؤولية الجهات المعنية بذلك، بل يجب عليهم أيضًا دعم القطاع المحلي من أجل تشجيع المستثمرين السعوديين؛ لبناء سوق سينمائي ضخم تتضاعف عائداته لتقوي الاقتصاد، وتدفع من عجلة النهضة والتطور إلى الأمام؛ لتحقيق رؤية السعودية 2030 لهدف تنويع مصادر الدخل".
وواصل الناقد الفني حديثه بالقول: "لكي نصل لهذا يجب على أصحاب القرار اختيار المسؤولين بعناية فائقة، ويكونوا من المتخصصين بقطاع السينما، خصوصاً في مسؤوليات الرقابة والتصنيف والتعميد والدعم، ليكون المسؤول كفاءة وطنية حالمة وليست تقليدية".
وأشار إلى أن مشروع صناعة سينما سعودية تنقل ثقافتنا وتراثنا العريق وإبداعنا للعالم، وتدعم اقتصادنا وتزيد من فرص العمل ومساحة الإبداع لدينا؛ هو حلم وهدف سامٍ يستحق عناء الوصول له، مضيفًا: "لذلك سأكون الآن صريحاً في نقل ما لمسته وشاهدته في بدايات العمل في هذا المشروع، وما زلت من أشد المتفائلين لمستقبل السينما السعودية، ولدي يقين وثقة بالوصول للتطلعات، ولكنه للأسف كانت الجهود التي شاهدتها مخيبة للتوقعات، وكان الدعم من الجهات المعنية دون المستوى وأقل من المأمول".
وكشف أن هناك اجتهادات فردية قامت بها كوادر وطنية وأسسوا شركات إنتاج سينمائي ومؤسسات لتقديم خدمات الإنتاج، وقدم البعض منهم مبادرات فريدة في دعم السينمائيين مثل مسابقات ومهرجان أفلام ودورات وورش عمل لصقل الموهبة.
وكذلك قام البعض الآخر بإنشاء متاجر متخصصة في توفير المعدات والخامات السينمائية المطلوبة في صناعة الأفلام، لكنه مع كل هذا العمل والجهد إلا أن الحصيلة العامة أقل مما هو متوفر من إمكانات وأدوات وطاقات قادرة؛ لتحصيل إنتاج أكبر من ناحية الكم والكيف.
وتوقع "الحربي" أن يعود السبب من هذه المحصلة الضئيلة في أن غالب الكفاءات السعودية، خصوصًا الحاصلين على درجات أكاديمية من الخارج، أصبحوا يبحثون عن العوائد المادية السريعة في إعلانات يروجون فيها لعقد دورات وورش عمل لتعليم السينمائيين، وهم في ذلك أغفلوا أننا في البداية وليس من المعقول أن كم وتنوع تجاربنا وإنتاجنا من الأفلام يسمح بتخريج أساتذة ومعلمين.
وتابع: "لا تزال السينما السعودية في طور اكتساب الخبرة ممن سبقونا بالمجال؛ لذا أصبح واقع حال الدورات التي عقدت يقول بأن الجميع يحتاج لمعلم سواء كان الطالب أو المعلم؛ لرفع مستوى الكفاءة وتطوير الأساليب يجب أن يكون تعليم صناعة السينما تعليمًا تطبيقيًّا عبر إنتاج الأفلام، وليس تعليمًا نظريًّا على ورقة وسبورة، فإن كنت تريد تعليمي المشي والكلام اجعلني أراك وأنت تمشي وتتكلم أيها المعلم".
وأضاف: "أما من ناحية دعم الجهات الحكومية، وأخص منها وزارة الثقافة؛ فإني لا أجد تعبيرًا لدي أدق من أني أسمع جعجعة ولا أرى طحنا، ابتداء من أولى خطوات الدعم في إنشاء المجلس السعودي للأفلام وما صاحبه من إعلان للمجلس ولخدماته وتطلعاته، التي زادت من جرعات التفاؤل عندي وعززت من الثقة بالنجاح، ويا فرحة ما تمت؛ ما لبث إلا واختفى وكأنه لم يكن، ليصبح عمره أقصر من عمر الزهور، لكني أعتقد أنه لا يزال على قيد الحياة ينكفئ في مكان يظن أننا نسينا بما كان يميننا".
وختم بقوله: "أعزائي أصحاب الصلاحية والمسؤولية في وزارة الثقافة، إن تعديل الأخطاء السابقة ودراسة فرص الاستفادة منها، وتقديم مبادرات ودعم وخطط وتنظيم ووضع أطر زمنية للتنفيذ، ليس أمرًا صعبًا ولا مستحيلًا؛ هو مجرد دعم بغرض إنتاج أفلام، فلا هو معادلات ولا تفاعلات كيميائية؛ لذا لا نحتاج التسويف ووضع الحواجز والمتاهات، أرجو منكم تقبل النقد، وأشد على أيديكم لتقديم الدعم للإنتاج ثم تهيئوا لصعود منصات النجاح الذي حتمًا سيحققه السعوديون".