تبذل المملكة العربية السعودية جهوداً عظيمةً للمحافظة على تماسك الأسر والتحامها، ونشر ثقافة المودة والرحمة بين أفراد الأسرة الواحدة؛ كونها اللبنة الأولى لمجتمعٍ واعٍ ومطمئن وحيوي بتفاعل أفراده مع بعضهم بعضاً، بشكل قائم على الاحترام المتبادل الذي يغذي العلاقات بين أفراد الأسرة الواحدة ويسهم في استقرارها بما ينعكس إيجاباً على المجتمع ككل، فيما أظهرت بعض الإحصائيات (العالمية) أن عام 2020م شهد ارتفاعاً في مستويات الإيذاء والعنف الأسري، خاصة ضد النساء والفتيات، وارتبط ذلك بتفشي فيروس كورونا المستجد (Covid-19) وتدابير التباعد الاجتماعي، والإغلاق الحكومي في كثير من البلدان.
والإيذاء الذي نتحدث عنه هو ما عرفه "نظام الحماية من الإيذاء" في المملكة، بأنه: "هو كل شكل من أشكال الاستغلال، أو إساءة المعاملة الجسدية أو النفسية أو الجنسية، أو التهديد به، يرتكبه شخص تجاه شخص آخر، متجاوزاً بذلك حدود ما له من ولاية عليه أو سلطة أو مسؤولية أو بسبب ما يربطهما من علاقة أسرية أو علاقة إعالة أو كفالة أو وصاية أو تبعية معيشية، ويدخل في إساءة المعاملة امتناع شخص أو تقصيره في الوفاء بواجباته أو التزاماته في توفير الحاجات الأساسية لشخص آخر من أفراد أسرته، أو ممّن يترتب عليه شرعاً أو نظاماً توفير تلك الحاجات لهم".
مرض فتَّاك
وبحسب الأمم المتحدة، فإن هذه المشكلة تؤثر في الاقتصادات المتقدمة والفقيرة على حد سواء، وتفوق تداعيات العنف ضد المرأة كثيراً من الأمراض الفتاكة، إذ يعد سبباً خطيراً للوفاة والعجز مثله مثل السرطان، وهو السبب الأكبر لاعتلال الصحة مقارنة بالحوادث المرورية والملاريا مجتمعة.
وأجرت منظمة الصحة العالمية، بحثًا يُفصّل الآثار المقلقة للعنف على الصحة البدنية والجنسية والإنجابية والعقلية للمرأة، الذي توصل إلى أن النساء اللاتي يتعرّضن للإيذاء معرّضات للإجهاض بمعدل ضعفين، وتضاعف التجربة تقريباً احتمال إصابتهن بالاكتئاب.
الفئات الأضعف
وعن مفهوم العنف الأسري والفئات الأضعف والأكثر تعرضاً له، تفيد الباحثة رانيا عسيلان؛ أنه يشمل كل أذى جسدي ونفسي وجنسي ولفظي يتعرّض له فرد أو مجموعة أفراد داخل الأسرة، ويكون المعتدي أحد أفراد الأسرة، وغالباً ما تكون الفئة المستضعفة في المجتمع من النساء والأطفال.
وتضيف "عسيلان"؛ أن العنف قد يتجسّد في أشكال أخرى غير العنف الجسدي، ومن ذلك -على سبيل المثال- الحرمان من التعليم والمنع من الزواج، ولكي نحد من سلوك معين يجب أن نبدأ بتوضيح الحقوق لكل من الطفل والمرأة كونهما أكثر الفئات تعرُّضاً للعنف الأسري.
ويتعرّض الفتيان في مرحلة المراهقة كذلك للعنف الأسري، مما يدفعهم إلى تصرفات غير صحية ويؤثر في حالتهم الصحية والنفسية.
وكشف تقرير للأمم المتحدة أن المراهقين الذين تراوح أعمارهم بين 15 و19 سنة هم أكثر عرضة للخطر بشكل خاص، حيث يبلغ احتمال تعرُّضهم للوفاة بسبب العنف 3 أضعاف الاحتمال نفسه للمراهقين الأصغر سناً الذين تراوح أعمارهم بين 10 و14 عاماً.
آثار مجتمعية
من جهتها، ترى الأخصائية النفسية هيفاء الحربي؛ أن العنف الأسري من العوامل الاجتماعية الخطيرة على الصحة النفسية للأفراد والمجتمعات، لما له من آثار سلبية على الفرد، منها عدم قدرته على تكوين اتجاهات إيجابية نحو ذاته، وعدم شعوره بالإشباع والرضا من طاقاته الذاتية والبيئية، وكذلك عدم قدرته على حل المشكلات ومواجهة الضغوط، مما يؤدي إلى عدم استقلاليته في تيسير أمور حياته.
وقالت "الحربي"؛ إن المملكة أولت أهمية قصوى لحماية حقوق الإنسان وتعزيزها ، فقد أصدرت (اللائحة التنفيذية لنظام الحماية من الإيذاء) و(اللائحة التنفيذية لنظام حماية الطفل)، ومن أجل تحقيق أهداف اللوائح، فإن وزارة الموارد البشرية والتنمية الاجتماعية تقوم بدور قيادي في تنفيذها عن طريق وحدات الحماية الاجتماعية في مختلف مناطق المملكة، وتسن إجراءات وأنظمة تحمي أفراد المجتمع من العنف بأشكاله كافة.
وتشير إلى أن الباحثين الاجتماعيين والأخصائيين النفسيين يتصدّون للعنف الأسري، متمثلاً بالدور النفسي في بُعديه الوقائي والعلاجي؛ حيث يتمثل البُعد الوقائي في زيادة الوعي بمخاطر العنف وأهمية دور الوالدين في التنشئة الاجتماعية السوية لأطفالهما والدور التعليمي، بينما يتمثل البُعد العلاجي في مقابلة الحالات المتعرّضة للعنف ووضع الخطط العلاجية التي تتناسب مع كل حالة، وتعزيز المعافاة النفسية والوقاية من الاضطرابات النفسية وتقديم الخدمات المناسبة بحيث تصبح الرعاية والعلاج أكثر نجاحاً معهم -بإذن الله تعالى.