لا يمكن وصف القمة العربية الـ30 التي اختُتمت فعالياتها في تونس أمس إلا بأنها "ناجحة"؛ وذلك بعدما أعادت بعض التوافق والتلاحم إلى الجسد العربي المنهك بفعل الأحداث السياسية والاقتصادية التي ضربت المنطقة في سنوات ماضية، وما زالت تداعياتها باقية حتى هذه اللحظة.
يمكن القول إن تونس نجحت بخبراتها في العمل العربي المشترك، التي اكتسبتها أثناء احتضانها مقر جامعة الدول العربية، فضلاً عن إمكاناتها الدبلوماسية، في أن تجمع العرب على كلمة واحدة، ومبدأ واحد، يرفض قرار الرئيس الأمريكي دونالد ترامب الاعتراف بالسيادة الإسرائيلية على مرتفعات الجولان السورية، وهو توافق وإجماع، غاب لفترة طويلة عن القمم العربية، وعاد إليها أمس.
وكوني سعوديًّا شعرت بالفخر والتباهي وأنا أستمع إلى كلمة خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان بن عبد العزيز ـ حفظه الله ـ التي شخّصت حال الأمة العربية، وعبَّرت عما يجول في نفس كل إنسان مسلم عربي غيور على أمته وإسلامه، خاصة عندما أكد ـ حفظه الله ـ بشكل "قاطع" رفض السعودية السيادة الإسرائيلية على الجولان، وكأنه يؤكد لمن يهمه الأمر أن القرار الأمريكي لن يؤثر في عروبة الجولان، ولن يغير من أحداث التاريخ ووقائع الجغرافيا، ولن يصح إلا الصحيح.
أهمية كلمة خادم الحرمين الشريفين جعلت وكالات الأنباء العالمية تحولها إلى "مانشيتات" رئيسة، تتصدر تغطياتها أحداث القمة منذ الصباح الباكر حتى الآن. ليس هذا فحسب؛ وإنما خضعت مفردات الكلمة لتحليلات خبراء السياسة والاقتصاد لمعرفة ما ستقدم عليه الدول العربية من تحولات استراتيجية طرأت عليها.
قمة تونس بهذه الآلية وهذا المشهد أراها بداية لـ"صحوة عربية"، طال انتظارها، وبمنزلة فتح صفحة جديدة، عنوانها نبذ الفُرقة والشتات، وتوحيد الصف، وتعزيز الثقة، والتوافق على رأي واحد، وكلمة واحدة، لمواجهة تحديات المرحلة الراهنة، والوقوف صفًّا واحدًا أمام أعداء الأمة الذين يتمنون استمرار الضعف العربي.
وإذا كان من سلبية في قمة تونس فهي الانسحاب "الصبياني" لأمير قطر تميم بن حمد من جلسة القمة دون استئذان أمام شاشات التلفزيون العالمية، وفلاش الكاميرات، التي ألمحت إلى استمرار الخلاف العربي.
تصرُّف تميم مرفوض دبلوماسيًّا وسياسيًّا بعدما أضر بسمعة القمة، وشوه الجهود التونسية المبذولة فيها، وما حققته من تقدم ملموس في طريق الوحدة العربية.