تُمثِّل العلاقات العامة حلقة الوصل بين المؤسسات والشركات والمنظمات والمحيط الخارجي المتصل بها، سواء كان جمهورًا أو عملاء أو مستفيدين؛ إذ توكل إليها مهمة التعريف بالأنشطة والخدمات والبرامج ذات الصلة، وتنظيم الفعاليات التي من شأنها تكوين صورة ذهنية إيجابية وواضحة، إضافة إلى استمرار التواصل الفعَّال الذي يعكس الأهداف والرسالة؛ حتى يتسنى لقيادة تلك الكيانات القيام بأعمال تحليل وقياس توجهات الرأي العام، وتفسير المفردات التي تُكوِّن الفكرة السائدة عنها؛ لذلك يشير كثير من المختصين إلى أن العلاقات العامة بقدر ما هي علم يتم تدريسه في الجامعات منذ سنوات طويلة هي في المقام الأول فن وموهبة، يهبها الله للبعض حينما يمنحهم نعمة القبول، وقوة التأثير على الآخرين.
وتتعدد مهام إدارات العلاقات العامة وتتشعب، ولاسيما في عصرنا الحالي؛ إذ إنها تلعب دورًا أقرب ما يكون إلى الذي تقوم به وزارات الخارجية والبعثات الدبلوماسية للدول.. فالمؤسسات التي تتمتع بإدارات علاقات عامة ناجحة تكون أكثر قدرة على تسويق منتجاتها، والوصول لقطاعات أكبر من العملاء والمتعاملين، بالقدر الذي يؤدي لزيادة أرباحها، ومضاعفة مكاسبها.
ويخطئ مَن يظن أن مهام العلاقات العامة تقتصر على مجرد فتح قنوات التواصل، أو الإجابة عن الاستفسارات، وإقامة الحفلات.. فعلى الرغم من أهمية تلك الأنشطة في بعض الحالات إلا أنها تبقى جزءًا يسيرًا من مهامها التي يتصدرها تعريف الآخرين بما تقدمه المؤسسة من خدمة للمجتمع، وما تتمتع به المنتجات والخدمات التي تقدمها من مزايا فريدة، تُمكِّنها من تقديم الإضافة الإيجابية.
وإضافة إلى ما سبق فإن للعلاقات العامة دورًا داخليًّا، لا يقل أهمية عن الدور الخارجي؛ إذ تسهم في زيادة ارتباط الموظفين بمؤسساتهم، وإيمانهم بالأهمية التي تمثلها، والدور الذي تقوم به؛ وهو ما يسفر في الآخر عن زيادة حماسهم وإقبالهم على العمل والإنتاج بروح وثابة، وفي الوقت نفسه تتولى إيصال أصواتهم، وعكس رغباتهم للإدارة العليا.
وخلال الفترة الأخيرة ظهر ما اصطُلح على تسميته بـ (إدارة السمعة) التي تمثل جزءًا من مهام العلاقات العامة، وهي نوع من الاتصال المؤسسي بمفاهيم جديدة، يقوم على تكوين صورة حسنة عن المؤسسة أو المنظمة، وتكوين رأي عام إيجابي عنها، أو تصحيح مفاهيم مغلوطة عنها، وهو ما يُعرف باسم ترميم السمعة؛ فلا تكاد تسلم مؤسسة أو منشأة تجارية من بعض الهزات بسبب تقلبات الأسواق، أو بفعل المنافسة التي قد تكون غير شريفة في بعض الأحيان، ولاسيما عندما يحاول الآخرون التقليل من أهميتها، أو تشويه صورتها. وتحمَّلت كثير من الشركات فواتير باهظة نتيجة لوجود صور سالبة عنها لدى العملاء.. ولأنها لم تجد مَن يساعدها على ترميم سمعتها، والعودة للمنافسة؛ فقد اضطرت للخروج من الأسواق.
ويكمن الفَرْق بين العلاقات العامة وإدارة السمعة في أن الأولى تختص بجميع ما يتعلق بالمؤسسات من علاقات على الصعيدَيْن الداخلي والخارجي، فيما تختص الثانية بتكوين صورة ذهنية حسنة، ورأي عام إيجابي.
ومن الضرورة الإشارة إلى أن الشركات والمؤسسات التجارية العملاقة – مهما بلغ حجمها – تظل في حاجة ماسة إلى تكوين صورة إيجابية؛ لأن ذلك يؤدي إلى ارتفاع أسهمها في البورصات وأسواق المال العالمية؛ فهذه الأخيرة تعتمد في التقييم على السمعة الحسنة؛ لذلك فإن كبريات الشركات العالمية تنفق ميزانيات ضخمة للترويج لمنتجاتها رغم عدم وجود منافس لها، لكن للحفاظ على ارتفاع أسهمها تظل ملتزمة بالإنفاق على الدعاية والإعلان.
ومما يثير الحيرة هو أن بعض الشركات الوطنية تستعين في كثير من الأحيان بشركات علاقات عامة من خارج السعودية، ولكن لعدم معرفتها بتقاليد المجتمع وأعرافه فقد كان حصاد تلك الشركات صفرًا كبيرًا؛ لأنها تجهل نفسيات المستهدفين وعاداتهم وتقاليد مجتمعهم.
بقي أخيرًا القول إن السمعة هي أساس النجاح؛ لأنها تضمن استدامة التميز، وتصنع الصورة الذهنية الإيجابية للمؤسسات؛ لذلك تعتبر رأس المال الحقيقي والثروة الاستراتيجية ذات القيمة الكبرى. وللوصول إلى هذا الهدف فإن هناك ستة عناصر أساسية، لا بد من توفرها لتحقيق الأداء المتميز، والحفاظ على استدامته، هي: الحفاظ على ثقة العميل، والابتكار المستمر، وكسب ولاء العاملين، والمسؤولية أو الشراكة المجتمعية، ووجود قيادة متفردة، واستمرار التواصل مع الجمهور. فإذا تمكنت أي مؤسسة من توفير تلك العناصر فإن أبواب النجاح ستكون مفتوحة أمامها على مصراعيها.