ما زلت أذكر تفاصيل شهر رمضان المبارك في عام 1402 هجريًّا بوصفه أول رمضان أستوعبُ روحانيته، وأُدرك معناه الحقيقي، مع أني لم أحضر فيه وجبة سحور قط؛ إذ كنا ونحن صغار على أيام طفولتنا ننام مبكرًا قبل الساعة التاسعة مساء من كل يوم، ونطلب من أهلنا أن يصحونا لهذه الوجبة التي كنت وأقراني نسمع عنها، ولا نراها رأي العين، إلا في آخر أربعة أيام من شهر رمضان المبارك في ذلك العام قبل أربعين عامًا؛ والسبب أننا لا نصحو للمشاركة فيها على الرغم من محاولات الأهل لإيقاظنا في كل مرة ما عدا الأيام الأخيرة منه؛ إذ تغلبت فيها على لذة النوم، وشاركت في السحور وأنا أنعس؛ كل ذلك ليس دافعه الوجبة، وإنما كي أتباهى أمام الأصدقاء، وأخبرهم بأني تسحرت البارحة..!!
الكثير منا يشعر اليوم بأن شهر رمضان الحالي سرعان ما انقضى سريعًا كأنما هو وميض برق في ليلة ماطرة، وإطلالة نور لفجر عابر مَرّ على النوافذ ومساحات الدنيا في عجل من أمره مقارنة بتلك الأشهر من رمضان الكريم في الماضي قبل عقود عدة. وهو شعور حقيقي ولا شك؛ فلنا في مرور السنين وانقضائها خير دليل؛ فالعام الماضي كأن تفاصيله كانت بالأمس، وهكذا تمرُّ الأشهر والأيام خفافًا..!!
لذا فشهر رمضان القادم شهر الخير والصيام والقيام وقراءة القرآن، وبكل ما فيه من البركات -إن كتب الله لنا فيه عُمْرًا-، سيأتي سريعًا؛ فما إن ندخل شهر المحرم من السنة الجديدة بعد أقل من ثلاثة أشهر، التي بدورها ستنقضي دون أن نشعر، إلا ونجد أنفسنا في أواخر شهر رجب؛ ليكون شعبان ككل عام منسيًّا بالطبع بالنسبة لنا وخارج حساباتنا ونحن نترقب دخول شهر رمضان الذي سيمرُّ كما هو الحال..!!
تمضي الأشهر والأيام من أعمارنا وعجلة الحياة مستمرة دون توقُّف، والفرق فقط في إحساسنا بالسنين؛ ففي الماضي كنا نستشعرها ساعة بساعة، ونعيش تفاصيلها يومًا بيوم دون أن تسرقنا التقنيات الجديدة والأجهزة الحديثة، وبات علينا أن نواكب عصر السرعة مجبرين؛ ما جعل منها سنين تنطوي بسرعة؛ لتعبر بنا في رحلة الحياة دون توقف نلتقط فيه الأنفاس..!!