"الغنوشي": الإصلاح من الداخل اليوم أولى بكثير من الثورة

قال: تونس تتحرك في إطار الشريعة بحسب فهم أهل البلد لها
"الغنوشي": الإصلاح من الداخل اليوم أولى بكثير من الثورة
تم النشر في
سبق- الرياض: حذّر رئيس حزب النهضة في تونس راشد الغنوشي، الحركات الإسلامية والشعوب العربية من استباق الأحداث، وسلك مسلك الثورات قبل البحث الجادّ وطَرْق شتى أبواب ووسائل الإصلاح السلمية؛ مؤكداً أن الإصلاح من الداخل أولى بكثير من الثورة إذا استطعنا التدرج ببلداننا نحو إنقاص الشرور وزيادة الخير؛ مستدلاً بقوله تعالى في كتابه الكريم: {إن أريد إلا الإصلاح ما استطعت}.
 
وقال : الثورات لا يُلجأ إليها إلا في حالات خاصة؛ حينما تُسَدّ الطرق وتتوفر الشروط الضرورية؛ موضحاً أن انسداد الطرق السلمية وحده دون توفر الشروط ليس كافياً، وإلا كانت مغامرة هوجاء تقود إلى كارثة، ومعظم الثورات التي قامت في العالم فشلت؛ بل إن القليل الذي تمكّن من الإطاحة بالحاكم وقع في حرب أهلية سقطت من خلالها الدولة، وجرت البلاد إلى فتن؛ مضيفاً: "فيجب أن نحرص على الإصلاح ما استطعنا؛ واضعين في عين الاعتبار أن لكل قُطْر من أقطار الأرض ظروفه وعوامله الخاصة به، وأنه على كل بلد أن يكتشف المعادلة الحركية الخاصة به".
 
جاء حديث "الغنوشي" في برنامج "حراك" الذي يقدمه الإعلامي عبدالعزيز قاسم على قناة "فور شباب"، تحت حلقة بعنوان "قراءة في إخفاق الإسلاميين".
 
وعاتب "الغنوشي" "قاسم" قائلاً: تتحدثون عن الإخفاق ونحن نحتفل بالذكرى الرابعة لنجاح الثورة التونسية.. نتألم عندما لا يرى إخواننا من المشرق  في تونس إلا الفشل، وأننا خائبون وفاشلون؛ بينما نرى نحن أنفسنا الشجرة التي لا تزال شامخة في الربيع العربي الذي ضربه إعصار حادّ.
 
 
وفي معرض رده على سؤال "قاسم" -أن الإخفاق المعنيّ به هو حزب النهضة لفشله في الانتخابات وحصوله على المركز الثاني بعد أن كان الأول- أجاب "الغنوشي" بأن حزب النهضة مخصوصٌ بالنجاح لا بالإخفاق؛ فعندما يصوّت لك مليون من بين ثلاثة ملايين فهذا في عرف الديموقراطية ليس فشلاً على حد تعبيره.
 
واعترف "الغنوشي" بأن عدم تمكّن حزب النهضة من الفوز في الانتخابات الرئاسية الأخيرة ليس انسحاباً تكتيكياً؛ بل هو خسارة حقيقة لكسب ثقة أغلب الناخبين؛ مبيناً أن الذين لهم اطلاع على تاريخ الثورات، يدركون جيداً أن كل حكومة تتسلم إثر ثورة يكون نجاحها محدوداً؛ لأن الناس تنتظر تحقيق كل ما لم يتم تحقيقه قبل الثورة؛ غير مقدّرين أن الثورة في الوقت ذاته ليست خارقة من خوارق العادات، ولم تكتشف كنوزاً جديدة؛ بل أطلقت الحريات، وهو أول وأهم أهداف الثورة التونسية؛ أما الهدف الثاني الذي يتمثل في التنمية وتحقيق الشغل؛ فيرى بعض أبناء الثورة الذين شاركوا بها أنه لم يتحقق، ولذلك عوقبت الأحزاب التي حكمت بعد الثورة، مُقِراً في الوقت ذاته بأن هذا لا يعني أن حزب النهضة فوق النقد، أو أنه لم يرتكب أخطاء؛ بل هم بشر وخبرتهم محدودة، وهم بصدد مراجعة أوضاعهم.
 
وطالب رئيس الحزب، الذين يقولون إن "النهضة" فشلت في الانتخابات، بوضع الحزب والتجربة في سياقها العربي الصحيح؛ حتى يعرفوا كيف هي الآن؛ مُبدياً تأثر الحزب بالموجة الارتدادية للربيع العربي، وأن الحديث يجب أن يكون عن "كيف حافظت النهضة على 80% من ناخبيها -في ظل الظروف الدولية والإقليمية المحيطة- لا عن كيف فقدت 20% منهم".
 
 
وأكد رئيس حزب النهضة أن الدول الأوروبية ظلت مئات السنين تتقاتل، إلى أن فقهت أن الحل في التعددية والاعتراف بالآخر وتقاسم المنافع.
 
وفي رده على من اتهم "النهضة" التي تقول: إن "العلمانية لا تضادّ الدين، وأن الحرية مقدمة على الإسلام، وأن الديموقراطية مقدمة على الشريعة، ومخالفة مبادئها"؛ وفق تصريح سابق له؛ حيث ذكر أن صوت الأغلبية سيقدم على الشريعة أوضح الغنوشي أن الأمر ليس كما يُظَنْ ويُصور به؛ واصفاً الثنائية الدائمة بوضع رأي الأغلبية مقابل حكم الله ووضع الحرية مقابل الشريعة، بأنها ثنائية مضرة ومتناقضة، وأن المجلس وأعضاءه إما أن يكونوا مسلمين من أهل الإسلام ولديهم فهم صحيح للإسلام فلن يشرّعوا ما يناقض الإسلام، وإما أن المجلس وأعضاءه ليسوا من أهل الإسلام أو لديهم فهم محدود للإسلام؛ فيكون تشريعهم من خلال الثقافة السائدة.. ونحن لا نتوقع من مسلمين واعين أن يشرّعوا ما يخالف الإسلام، وإذا حصل منهم ذلك فهو داخل تحت قاعدة "الضرورات تبيح المحظورات"؛ مبيناً رفضه الشديد في الوقت ذاته لمن ادعى أن دستور بورقيبة -كما يسميه البعض- كان أكثر أسلمة من الدستور الذي أنجز مؤخراً باحتوائه المادة الأولى، على أن الدين في تونس هو الإسلام؛ بينما صوّت حزب النهضة لإلغاء مواد الشريعة من الدستور جازماً أن الأمر لا يزال عليه، وأنهم في حزب النهضة ناضلوا من أجل إبقاء هذه المادة وهي حاكمة على ما سواها، وأن تونس ليست علمانية؛ بل بهذه المادة الأولى من الدستور التي تقر بأن دين الدولة هو الإسلام، وهي دولة إسلامية تتحرك في إطار الشريعة الإسلامية؛ بحسب فهم أهل البلد وأهل المجلس التشريعي لها.
 
كما شن "الغنوشي" هجوماً شديد اللهجة على منفّذي حادثة "شارلي إيبدو" في فرنسا؛ واصفاً إياهم بالإرهابيين المجرمين، وأنه ليس عنده لهم إلا الإدانة بدون تحفظ لهذه الأفعال التي هي بالتأكيد ليست دفاعاً عن الرسول عليه الصلاة والسلام؛ بل هي إساءةٌ إليه وتشويه لصورة الإسلام ومنح فرصة للمتطرفين في العالم كالأحزاب اليمينية العنصرية لتحمل حملة واسعة النطاق على 10 ملايين مسلم في فرنسا و30 مليون في أوربا؛ مما ستعاني منه هذه الأقليات أشد المعاناة وتدفع ثمنه لوحدها؛ داعياً إلى التعامل مع هذه الحالات بطرق حضارية، وردود فعل إيجابية؛ كإنشاء معاهد لتعليم الفنون الأدبية ورسم الكاركتير؛ ليخرّج لنا جيلاً مميزاً يخدم الإسلام ويرد على مثل هؤلاء السفهاء بطرق ناجعة؛ منوهاً في الوقت ذات بالمخرج الراحل مصطفى العقاد الذي أفاد الإسلام بفيلم "الرسالة".
 
وطالب "الغنوشي" الأقليات والجاليات المسلمة في الدول الغربية بالانخراط في مجتمعاتهم، والتعايش معها، وأن الدول الأوروبية والأمريكية تضمن للجميع حرية المعتقدات دون تمييز أو إكراه.
 
وأبدى "الغنوشي" أسفه الشديد لما تمرّ به دول القلب الإسلامي كالعراق وسوريا واليمن؛ عازياً نشأة "داعش" إلى أنها ثمرة من ثمار أوضاع بلداننا المختلة، وأن التهميش الذي لقيه السنة في العراق وسوريا لا يمكن أن يُنتج عنه إلا داعش؛ فهو تصرف متطرف بالأساس نتج عنه تكوين مجموعة غير سوية تُتنج أفعالاً في قمة التطرف كالإسراف في القتل وغيره.
 

أخبار قد تعجبك

No stories found.
صحيفة سبق الالكترونية
sabq.org