انتشر في الأيام القليلة الماضية مقطع لعالم الأبحاث الطبية بوحدة المسرطنات بمركز الأبحاث بمستشفى الملك فيصل التخصصي، الدكتور فهد الخضيري، يشير فيه إلى إمكانية تناول الأطفال لـ"الإندومي" المكرونة والشعيرية سريعة التحضير يوميًّا، وذكر أن "النقانق" غير مسرطنة، وقلل من خطورة تلك الأطعمة والتساهل في تناولها خصوصًا لدى الأطفال، وفي ذات السياق ذكر الدكتور خالد النمر استشاري أمراض القلب أن "الإندومي" سريعة التحضير وجبةٌ آمنة من المسرطنات؛ لكنها ليست صحية أو مفيدة؛ مما أثار الكثير من الجدل والتساؤلات الصحية بين مؤيد ومعارض حول مدى تأثير هذا النوع من الأطعمة كـ"الإندومي"، والمكرونة والشعيرية سريعة التحضير، و"النقانق" على صحة الإنسان؛ لا سيما أنها غنية بالمواد الحافظة والدهون، بحسب العديد من خبراء التغذية.
"سبق" تحدثت مع خبير تعزيز الصحة والاتصال والتوعية الصحية، الدكتور عبدالرحمن يحيى القحطاني، للتوضيح أكثر حول هذا الموضوع.. قال: "إن بعض ما ذكر يتعارض مع ما تقوله البراهين والأبحاث العلمية، ويقدم المعلومة بطريقة مربكة ومبتورة غير متكاملة". ودعا القحطاني إلى الحد من تناول تلك الأطعمة بشكل كبير، وعدم وضعها على قائمة الطعام اليومية.
وأضاف الدكتور القحطاني: "إن القطع والجزم بأن الشعيرية والمكرونة سريعة التحضير لا تسبب السرطان؛ هي معلومة منقوصة وغير مكتملة، وهناك رأي علمي محتمل من زاوية أخرى؛ فمثلًا من حق المستهلك أن يعلم أن بعض أنواعها غنيّ بالملح؛ حيث تشير عدد من الأبحاث إلى أن تناول الأطعمة الغنية بالملح (الصوديوم) بصفة منتظمة؛ يرتبط باحتمالية الإصابة بسرطان المعدة؛ ولكن لا نعلم حتى الآن ما إذا كان هذا الارتباط ارتباطًا سببيًّا أم عرضيًّا في مثل هذه الحالة".
وأوضح القحطاني أن من حق المستهلك معرفة أن الإفراط في تناول الأطعمة المصنعة والمكررة المستخرجة من منتجات الحبوب كالقمح وغيرها، كما هو الحال في ذلك النوع من المكرونة؛ يمكن أن يرتبط باحتمالية الإصابة بالسرطان وخصوصًا سرطان المعدة.
وأضاف: "لا أرى إطلاقًا التساهل في دعوة الناس إلى تناولها سواء من قِبَل الأطفال أو البالغين، ومن الخطأ القول بإمكانية تناولها من قِبَل الأطفال يوميًّا؛ بل المفترض الحد من تناولها بشكل كبير".
ولفت إلى أنه في سياق المعلومات المتكاملة والشاملة التي يفترض تقديمها حول ذلك المنتج؛ لا بد أن يعي المستهلك -والوالدان- أن التناول المنتظم للمكرونة سريعة التحضير (المكررة من القمح) مرتبط باحتمالية الإصابة بما يسمى بمتلازمة الأيض، وهو اضطراب يؤدي إلى زيادة الإصابة بأمراض القلب والجلطات والسكري من النوع الثاني؛ فكيف لنا أن نهون من تناولها والدعوة لإمكانية تناولها يوميًّا للأطفال؟
وأشار خبير تعزيز الصحة إلى إحدى الدراسات الحديثة التي نُشرت عام 2023 في المجلة العلمية المحكمة "المغذيات"؛ حيث أوضحت أن تناول هذا النوع من المكرونة بمعدل 130جم في اليوم أو بمعدل ثلاث مرات فأعلى أسبوعيًّا؛ يرتبط بارتفاع الدهون الثلاثية (الترايجلسرايد)، وكذلك ارتفاع مستويات السكر في الدم، وضغط الدم (الانبساطي)، وزيادة السمنة المحيطة بالبطن، وهي عوامل متداخلة ترفع من احتمالية الإصابة بأمراض القلب وتصلب الشرايين والجلطات والسكري.
كما أورد الدكتور القحطاني دراسة أخرى نُشرت في مجلة التغذية العلمية الأمريكية (JN) عام 2014، أجراها باحثون من كلية الصحة العامة بجامعة هارفارد (HSPH)، اتضح فيها أن تناول المكرونة سريعة التحضير بمعدل مرتين على الأقل أسبوعيًّا؛ يرتبط -بشكل مستقل عن أي عوامل غذائية أخرى- بالإصابة بمتلازمة الأيض تحديدًا بين النساء بنسبة 68%.
وقال القحطاني: "ملخص القول أن علينا عدم التساهل والإفراط في تناولها؛ بل الحد من تناولها بشكل كبير، وعدم تعويد الطفل عليها منذ صغره، مع الحرص على البحث عن البدائل الصحية الأخرى".
وتابع خبير تعزيز الصحة والاتصال والتوعية الصحية: "أما ما يتعلق بالنقانق وأنها لا ترتبط بالإصابة بالسرطان -كما أشير لذلك في المقطع المتداول- فإن هذا القول مجانب للصواب ويخالف ما تقوله البراهين والأبحاث العلمية والمنظمات الصحية الدولية، وأن منظمة الصحة العالمية والعديد المنظمات العلمية الطبية في الولايات المتحدة وكندا وبريطانيا وغيرها تُبَين أن تناول اللحوم المصنعة، مثل النقانق والمرتديلا والببروني والبسطرمة وما يسمى "الهوت دوق"؛ يرتبط باحتمالية الإصابة ببعض أنواع السرطانات، كسرطاني القولون والمعدة، وأن المعهد الأمريكي لأبحاث السرطان (AICR) يشير إلى أن تناول كميات بسيطة من اللحوم المصنعة يوميًّا بمقدار 50 جم أو قطعة كاملة من "الهوت دوق" ذات الحجم الصغير يوميًّا؛ يمكن أن يرفع من احتمالية الإصابة بسرطان القولون بنسبة 18% مقارنة بمن لا يتناول أي منهما".
وأوضح أن تلك اللحوم المُصَنعة غالبًا ما تكون غنية بالدهون والسعرات الحرارية العالية وكذلك الملح؛ وبالتالي يرتبط تناولها المنتظم بالإصابة بعدد من أمراض القلب والأوعية الدموية والسمنة؛ وبالتالي فإن التساهل في توجيه الناس تجاه تناولها دون قيد أو شرط يُعتبر أمرًا خاطئًا؛ بل المفترض توجيههم للحد من تناولها بشكل كبير، والبحث عن البدائل الصحية.
وقال: "الأخطر في جانب التوعية عبر منصات التواصل الاجتماعي، أنها تصل لشرائح كبيرة من المجتمع، ويصعب كثيرًا تعديلها في حال كانت المعلومة غير دقيقة أو مغلوطة".
ودعا خبير تعزيز الصحة الدكتور عبدالرحمن القحطاني، إلى ضرورة إيجاد آلية مناسبة ومتوازنة لضبط التوعية الصحية عبر منصات التواصل الاجتماعي داخل المملكة، وأضاف: "هنا أدعو كلًّا من وزارة الصحة، وهيئة الصحة العامة، وهيئة الغذاء والدواء، إلى التنسيق المباشر مع الهيئة العامة لتنظيم الإعلام؛ لدراسة ذلك وإيجاد حلول جذرية لضبط التوعية الصحية إعلاميًّا، ووضع عقوبات للمخالفين ومن يقدمون معلومات مغلوطة أو مربكة، ومن ذلك إلزامهم بالاعتذار علنًا للمجتمع وتصحيح المعلومة الخاطئة".
وكان عالم الأبحاث الطبية بوحدة المسرطنات بمركز الأبحاث بمستشفى الملك فيصل التخصصي، الدكتور فهد الخضيري، قد قال إن "الإندومي ليست مسرطنة بل غير ضارة للأطفال إذا تم تناولها باعتدال وبكمية مقبولة". وأوضح أن وجبة الإندومي سريعة التحضير ليست مسرطنة على الإطلاق؛ وذلك استنادًا إلى الأبحاث العلمية؛ لكنها ليست خيارًا صحيًّا لفئات معينة ككبار السن وأصحاب الأمراض المزمنة كالكوليسترول وغيره؛ لما تحتويه من سعرات عالية ونسبة عالية من الدهون حالها كحال النقانق، وأشار إلى أن المشكلة الرئيسية بهذه الشعيرية هي المادة الحافظة المضافة إليها وهي "مونو غلوتامات الصوديوم"؛ لافتًا إلى أنها مجازة من هيئة الغذاء والدواء السعودية بنسبة معينة موجودة في العديد من الخلطات الجاهزة التي تُستخدم في إعداد الوجبات السريعة وأيضًا الكبسة، وأضاف أن مادة أوكسيد الميثيلين التي يتحدثون عنها، وهي السبب في سحب المنتج من الأسواق الماليزية والتايوانية؛ غير موجودة بالإندومي المتوفرة بالسعودية لأن هيئة الغذاء لا تسمح بها".
وفي ذات السياق أكد الدكتور خالد النمر استشاري أمراض القلب، أن الإندومي سريعة التحضير وجبةٌ آمنة من المسرطنات، لكنها ليست صحية أو مفيدة.