
افتقد الوطن في شهر رمضان الحالي 1440هـ إحدى أبرز الشخصيات العظيمة التي طالما لم نجد لها ظهورًا في الإعلام السعودي، وقد أفنى حياته في خدمة دينه، ثم مليكه ووطنه بكل إخلاص وشجاعة، وكان له الفضل -بعد توفيق الله- مع زملائه بالقطاعات الأمنية في دحر الإرهاب، وإجهاض عملياته بكل بسالة وإقدام.
وفي التفاصيل، تسلط زاوية سبق الرمضانية "كانوا معنا" الضوء على مدير الأمن العام السابق المستشار في وزارة الداخلية، معالي الفريق سعود بن عبدالعزيز الهلال -رحمة الله وأسكنه فسيح جناته-، الذي يعتبر من الشخصيات الأمنية القيادية التي تدرجت في الرتب حتى أعلاها، وبرز دوره الأمني نظير خبرته الطويلة، وتعامله مع الأحداث، قبل أن ينتقل إلى رحمة الله أثناء تلقيه العلاج بأحد المستشفيات خارج السعودية قبل فترة قصيرة.
سيرته
"سبق" تواصلت مع شقيق الفقيد "خالد بن عبدالعزيز الهلال"، الذي أوضح أنه أحد المقربين له منذ تخرجه من الثانوية العامة حتى التحاقه بكلية الشريعة، ثم تحول إلى السلك العسكري، ثم التحق بدورة الضباط الجامعيين التأهيلية، وبدأ ضابط شرطة محققًا قبل أن يُعيَّن مديرًا لمركز شرطة السويدي وشبرا، ورئيسًا للبحث والتحري للمركز، وهو أحد أكبر المراكز الشرطية من حيث الحدود الإدارية والمساحة الجغرافية.
وبيّن "خالد" أن الراحل غفر الله له- أُسندت إليه لجان عدة، كان من أبرزها لجنة عصابات قطّاع الطرق لعام ١٤٠٩هـ. وتقديرًا لكفاءة الرجل، ونبوغه الأمني المبكر، تولى إدارة شرطة العليا والسليمانية برتبة رائد سنوات عدة، تم خلالها توفير الأمن لأكثر أحياء الرياض كثافة سكانية ونموًّا في الحركة التجارية ونشوءًا للمجمعات التجارية والأسواق المركزية.
وأضاف "خالد" بأن الفقيد واصل مسيرة عمله الأمنية بكفاءة واقتدار، وكُلف بإدارة البحث الجنائي بشرطة منطقة الرياض برتبة مقدم متعاملاً بروح لا تعرف الاستكانة مع أدق الملفات الأمنية. وبعد نجاحه اللافت في إدارة البحث الجنائي، وأمام هذا كله، حظي المغفور له بثقة قيادته؛ وعُيّن مديرًا لدوريات الأمن بالرياض عام ١٤٢٢هـ "برتبة مقدم".
وكشف علاقة الراحل بالجمهور وبحياتهم اليومية؛ فقد عمل على تطوير هذا الجهاز؛ ليكون موجودًا على مدار الساعة، بل كان حاضرًا بكل إمكانياته لمواجهة الإرهاب؛ إذ شهد هذا الجهاز مواجهات عدة مع تنظيم القاعدة والإرهاب، تم فيها قتل زعيم تنظيم القاعدة داخل السعودية؛ فأكرمته القيادة الأمنية العليا بترقية استثنائية إلى رتبة عميد؛ ليستهل مهمة جديدة في التطوير والنجاح؛ ليتم تعيينه بعدها مديرًا للإدارة العامة لدوريات الأمن في السعودية ١٤٢٨هـ، وسجل الكثير من الإنجازات الأمنية قبل أن ينتقل للعمل مديرًا لشرطة المنطقة في عام 1431هـ بعد صدور الأمر الملكي بتعيينه بهذا المنصب.
ولفت "خالد" إلى أن شخصية الراحل تميزت بالبساطة التي جعلت منه قريبًا من أواسط مجتمع الرياض بكل شرائحهم، فضلاً عن حلمه وصرامته وعدم تهاونه في تطبيق الأنظمة. مشيرًا إلى أنه تم ترقيته لرتبة لواء، واستمر فيها حتى صدور الأمر الملكي عام ١٤٣٨هـ؛ إذ تمت ترقيته إلى رتبة فريق، وتعيينه مديرًا للأمن العام في السعودية. فيما أصدر خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان بن عبد العزيز أمرًا بتعيينه مستشارًا في وزارة الداخلية.
وانتقل المرحوم إلى جوار ربه في شهر جمادى الآخرة من العام الحالي أثناء تلقيه العلاج في أحد المستشفيات خارج السعودية.
"سبق" التقت أحد زملائه ممن رافق الراحل سنوات، وفضَّل عدم ذكر اسمه، وتحدث قائلاً: "الفريق سعود الهلال فقده الجميع بلا استثناء؛ فلا يكاد يمر يوم إلا ونتذكر موقفًا له؛ فندعو له. كان درعًا وقوة وكفاءة، نعجز عن وصفها، فوق حبه لمهام عمله.. وقد ذاد عن وطنه، وجعل حماية أمن وأرواح المواطنين غاية مراده، واكتسب تقدير زملائه بجهاز الأمن. وقد رحل وترك وراءه رصيدًا كبيرًا من الأعمال الأمنية؛ لتكون مرجعًا علميًّا لمن يعمل في هذا السلك المهم.
ويستذكر زميله والعَبرة تلامس عينيه قائلاً: يجب علينا أن لا ننسى هذا الرجل الصادق المقدام؛ فقد كانت شجاعته تسابقنا في حماية الوطن والمواطنين لدحر الإرهاب؛ فكان لهم بالمرصاد، وقضى على أكبر زعمائهم؛ إذ كان الفريق يشغل منصب مدير دوريات الأمن بالرياض، وكان له الفضل -بعد توفيق الله- في تأسيس "فرق المهمات ومدار والدوريات السرية" بقيادته لمباشرة القضايا الأمنية المهمة كالإرهاب.
ولعبت الفرق دورًا أمنيًّا في تعاونها مع أعلى الجهات في تتبع ورصد المطلوبين أمنيًّا والإرهابيين في الرياض، وكانت تتابع وتلاحق إحدى السيارات المشتبه بها في اختطاف وقتل الرهينة الأمريكي، ويقودها الهالك عبدالعزيز المقرن زعيم تنظيم القاعدة الإرهابي في السعودية، وبرفقته ثلاثة من الإرهابيين في محطة وقود بحي الملز، وقاموا بإطلاق النار على رجال الأمن، وتم الرد عليهم في الحال، وقتلهم جميعًا.
وأضاف في حديثه: وبعد قتل زعيم القاعدة المقرن عيَّن التنظيم الإرهابي الهالك اليمني الحاج بدلاً منه، وتم قتله من قِبل دوريات الأمن بقيادة معالي الفريق سعود الهلال. وكذلك أسهم في قتل الإرهابيين السبعة المطلوبين في حي الازدهار بالعاصمة الرياض.
ولفت في حديثه إلى أن الراحل كان متعاونًا جدًّا مع جميع القطاعات الأمنية بحكم رئاسته إدارة الشرطة واللجنة الأمنية الدائمة بمنطقة الرياض، ووضع له بصمة مميزة في خارطة العمل الأمني من خلال مسيرة حافلة بكل كفاءة واقتدار، وله الكثير من المواقف البطولية والقصص في مواجهة الإرهاب وعملياته آنذاك التي استهدفت العاصمة الرياض، وتمكنت الأجهزة الأمنية من القضاء عليهم. كما تمكن حينها من كشف العديد من القضايا، والإطاحة بعدد من المطلوبين، أحدهم اشتُهر بسرقة السيارات والإفساد في الأرض، وهو من أرباب السوابق، وتم تنفيذ حكم القتل به تعزيرًا.
كما أن له الكثير من الأفكار التي تمت في عهده؛ إذ إنه أسهم في تطوير أداء البحث الجنائي تقنيًّا، ودعمه، وشكَّل فِرق المهمات ومدار والدوريات السرية، وما زالت تعمل حتى وقتنا الحاضر، وأسهم في الحد من انتشار جرائم الجالية الإثيوبية، والقبض عليهم، حتى ترحيلهم من السعودية، وكُلف من وزير الداخلية بالإشراف على الخزائن أمنيًّا".
يُشار إلى أن الفريق سعود أثناء أداء واجبه وإشرافه على المعتمرين العام الماضي تعرَّض أول أيام عيد الفطر المبارك لوعكة صحية؛ أُدخل إثرها أحد مستشفيات مكة، ثم تم نقله لمستشفى الملك فيصل التخصصي بالرياض لاستكمال الفحوص، وبعد تحسُّن حالته استكمل علاجه خارج السعودية إلا أنه انتقل إلى رحمه الله تعالى.
وأدى جموع المصلين - يتقدمهم وزير الداخلية وأمير منطقة الرياض - صلاة الميت على مدير الأمن العام السابق الفريق سعود الهلال في الرياض.