مرة أخرى تعود جماعة الحوثيين الإرهابية إلى استهداف المناطق المدنية بالمسيَّرات المفخخة؛ إذ أقدمت خلال الأيام الماضية
على مهاجمة مطار أبها، وتسبب ذلك في إصابة ثمانية مدنيين بجراح متفاوتة؛ وهو ما يشكّل جريمة حرب متكاملة الأركان، وانتهاكًا واضحًا للقوانين والمواثيق الدولية كافة التي تحظر استهداف الأعيان المدنية، مهما كانت الذرائع والمبررات، وتصنف ذلك
كجريمة حرب موجهة ضد الإنسانية، وتتشدد مع مرتكبها، وتوقع به عقوبات دولية صارمة.
بدءًا، ينبغي تأكيد حقيقة أن السعودية عندما تلفت انتباه المجتمع الدولي لتلك التجاوزات، وتسلط عليها الضوء، فإنها لا ترمي من وراء ذلك إلى طلب العون من أحد؛ فهي قادرة -بفضل الله- على الدفاع عن حدودها، وحماية مواطنيها والمقيمين على أراضيها، ولكن انطلاقًا من التزامها الكامل بالمعاهدات والمواثيق الدولية تحرص على تبيان موقفها، وتكشف تجاوزات أعدائها ومَن يقفون خلفهم؛ لتؤكد من جديد أنها دولة مؤسسات، تراعي القوانين، وتتبع الأعراف الدبلوماسية، وتسير وفقها.
ما أقدمت عليه تلك الجماعة التي لا تتجاوز مجرد كونها ميليشيا إرهابية تابعة للنظام الإيراني يكشف بوضوح حجم المخطط الذي
تقف وراءه طهران؛ لأن الجماعة الحوثية لا تملك القدرات أو الكوادر التي يمكنها استخدام تلك الأسلحة؛ لذا فهي ليست أكبر من مخلب قط، تستغله إيران لتحقيق أهداف وأجندات خاصة بها، وهي أبعد ما تكون عن مصلحة الشعب اليمني الشقيق.
ويمكن تفسير التصعيد الأخير الذي قامت به الميليشيات المتمردة على أنه محاولة ابتزاز سياسي من نظام طهران الذي يعاني
عزلةً رهيبة بسبب البرنامج النووي المثير للجدل، وتصرفاته اللامسؤولة التي من شأنها زعزة أمن واستقرار المنطقة.
الموقف السعودي يحظى الآن باصطفاف دولي كبير خلفه؛ فقد دانت تلك الجريمة منظمات المجتمع الدولي كافة، والدول دائمة
العضوية في مجلس الأمن، والدول الإقليمية، وأقر جميع هؤلاء بحق السعودية في الدفاع عن نفسها.. فالعالم كله يدرك ضرورة التصدي للممارسات الحوثية السالبة التي تشكّل خطرًا على حركة التجارة العالمية بتهديد أمن الممرات المائية الدولية، وهو ما
يمكن أن يتسبب في اضطراب الاقتصاد العالمي كله.
وأيًّا كان هدف المتمردين، ومهما تباينت المواقف، فإن السعودية بطبيعة الحال لن تُمكّن الآخرين من استغلالها لتحقيق أهدافهم، ولن تتسامح مع أي اعتداء على أراضيها أو سكانها؛ لذلك أعلنت بمنتهى الوضوح أن هذه التجاوزات لن تمرَّ مرور الكرام، وأنها لن تنتظر إذنًا من أحد كي تدافع عن أراضيها.
لذا كان الرد سريعًا بتدمير منصة إطلاق المسيّرات المستخدمة في الهجوم، وتدمير قدرات الميليشيا الحوثية وصواريخهم التي
يتولى عناصر الحرس الثوري الإيراني وكوادر حزب الله اللبناني توجيهها وإطلاقها نحو الأراضي السعودية.
كما قامت قوات التحالف بعمليات جوية مكثفة مسنودة بجهد استخباري كبير على عدد من المواقع الحوثية، وسقط عدد من قيادييها، فما قامت به الميليشيات مؤخرًا لا شك أنه سوف يكون نقطة تحول تدفع الميليشيات نحو نهايتها المحتومة.
والسعودية عندما تقوم بهذه المهمة فإنها في الوقت ذاته تتمسك بالحرص على سلامة الشعب اليمني، وتلتزم بقواعد الاشتباك التي
تحددها المواثيق الدولية. وقد أثبت التحالف بالأدلة والبراهين أنه في مرات كثيرة أحجم عن تنفيذ عمليات ضرورية، وأوقف ضربات جوية كانت ستلحق خسائر كبيرة بالانقلابيين؛ وذلك خوفًا من وقوع ضحايا بين السكان الأبرياء الذين تتخذ منهم
الميليشيات دروعًا بشرية دون وازع أو ضمير، وتستخدم أحياءهم ثكنات عسكرية ومقار لإطلاق الصواريخ والمسيَّرات.
من المفارقات أنه رغم ما تعرضت له السعودية خلال الأزمة الحالية من صواريخ ومسيَّرات وقذائف، أُطلقت عليها من محافظة
صعدة، مسقط رأس زعيم التمرد، إلا أنها لم تفكر في معاقبة المدنيين الأبرياء بجرائم بعض المارقين، ويكفي الإشارة إلى أن
مستشفى السلام، وهو الوحيد الذي لا يزال يعمل في المحافظة، تتولى الرياض تكاليف تشغيله وإمداده بالأدوية والمستلزمات الطبية.
هنا يتضح الفرق بين السعودية التي تتعامل من منطلق المسؤولية والتمسك بالقوانين الدولية، وتواصل إرسال المساعدات الإنسانية
من غذاء ودواء بمبالغ تجاوزت عشرات المليارات، من خلال مركز الملك سلمان للإغاثة والأعمال الإنسانية، دون وضع أي
اعتبارات مناطقية أو مذهبية، ونظام الملالي الذي لا يعرف سوى تقديم وسائل الموت والدمار من بنادق وقنابل وألغام،
ومسيّرات مفخخة، تقطع أشلاء أطفال اليمن، وتقتل شيوخهم، وترمل نساءهم.
فشتان بين مَن يُحيي الحرث والنسل ومَن يستميت في أهلاكه.