تشكل الترجمة في عالم اليوم حضوراً بازغاً له أثره على مختلف الثقافات العالمية، والهويات الإبداعية التي تتفتح عن نتاجات إنسانية متميزة في عصر السموات المفتوحة، فلم تعد الترجمة تمثل فعلاً إضافياً ثقافياً، أو عنصراً هامشياً من عناصر الثقافة، بل إنها باتت ضرورة حياة للتفاعل الإنساني والحضاري، لأنها تترجم مختلف التعاملات البشرية في العالم من الدساتير والأنظمة وقوانين التجارة والاقتصاد والاتفاقيات الدولية، والعلوم من طب وفيزياء ورياضيات، وتقنية، فضلاً على الآداب والفنون ومختلف المعارف.
وتحرص مكتبة الملك عبدالعزيز العامة على ذلك النشاط الكبير في مجال الترجمة، ونقل النبض الإنساني بمختلف توجهاته العلمية إلى الحياة الثقافية العربية، والعمل على فتح نوافذ عالمية تضع من خلالها كل جديد على طاولة القراء والباحثين والعلماء للاطلاع على فلذات الكتب والإصدارات المتنوعة.
وفي اليوم العالمي للترجمة الذي يحتفل به العالم في الثلاثين من سبتمبر من كل عام، تظهر الإصدارات والأنشطة المختلفة في مجال الترجمة ما تضطلع به مكتبة الملك عبدالعزيز العامة من دور مهم يرسخ لحضور البعد الوطني في معايشة الثقافة العالمية، ويشير إلى ما تنهض به المملكة للتعايش مع العصر، وتحقيق أهداف رؤية المملكة 2030، حيث ترجمت 60 كتاباً، و30 قصة للأطفال، وتُرجمت الكتب من اللغات الانجليزية والفرنسية والروسية والكورية واليابانية والاوردية والفارسية في مجالات تاريخ الحرمين الشريفين والجزيرة العربية والتاريخ الإسلامي والرحلات والدراسات العربية والأندلسية وعلوم المكتبات والخيل والفروسية والأدب العربي والتراث السعودي.
وترجمت المكتبة مؤخراً كتباً عدة منها: "أخلاقيات البيانات وإدارة المعلومات: المفاهيم والأدوات والأساليب" من تأليف: كاثرين أوكييف وداراغ أوبرايان، ومن ترجمة د. هند بنت عبدالرحمن الغانم. يقع الكتاب في 380 صفحة، ويتضمن أحد عشر فصلاً سوى الفصل التمهيدي الذي يتناول أخلاقيات المعلومات، ومجموعة من الموضوعات المرتبطة بالبيانات وجمعها وتحليلها والحديث عن المنفعة المجتمعية مقابل الحقوق الفردية.
وكذلك كتاب بعنوان:" مشاهدة الحرمين الشريفين ومظاهر الحج من خلال عدسة الحاج أحمد مرزا" من تأليف الدكتور صاحب عالم الأعظمي الندوي وهو كتاب قيم من أبرز الكتب التي صورت مشاهد الحج على يد المصور الهندي أحمد مرزا الدهلوي فهو أول مصور محترف هندي قدم إلى الأراضي المقدسة للحج في العام 1325هـ / 1907م فاستثمر فرصة وجوده فيها لالتقاط مجموعة متميزة من الصور، وبعد عودته إلى الهند طبعها في معمله للتصوير في (دلهي) وخصصها للبيع في الهند، ويتضمن الكتاب الواقع في 240 صفحة تمهيداً عن الحرمين الشريفين في الخرائط القديمة، والرسومات والمنمنمات القديمة، والصور الضوئية الأولية، والصور الضوئية في الهند واهتمام المصورين الهنود بالحرمين، كما يضم أربعة فصول تناول فيها المؤلف الموضوعات التالية:
الحرمان الشريفان في ثقافة الطباعة الهندية المبكرة، وترجمة المصور أحمد مرزا وأولاده، وترجمة ودراسة توضيحية لصور مرزا للحرمين الشريفين بواسطة ألبوم دباس، وترجمة ودراسة توضيحية لصور مرزا للحرمين الشريفين بواسطة ألبوم المكتبة البريطانية.
وكتاب ثالث بعنوان:" دور العالم العربي الإسلامي في نهضة الغرب: الآثار المحتملة في العلاقات الثقافية المعاصرة" من مراجعة وتحرير د. نايف بن رزق بن فارس الروضان وهو عضو بارز في كلية سينت أنتني في جامعة أكسفورد بالمملكة المتحدة، ومن ترجمة: منيرة بنت عبدالله الماضي. يتضمن الكتاب الواقع في 320 صفحة تسعة فصول تتناول مجموعة من الدراسات التي تبرز إسهام العالم العربي والإسلامي في الحضارة الغربية، كتبها عدد من المختصين في هذا المجال.
ومن الكتب التي ترجمتها المكتبة كذلك: التقنيات والإدارة في خدمات المكتبات والمعلومات لفريدرك ولفر دلانكستر وبث ساندرو، تقنيات المعلومات في المكتبات والشبكات لأودري جروش، تقنيات الذكاء الاصطناعي والنظم الخبيرة ألانكستر وآمي وارنر، وخدمات المكتبات والمعلومات: قياسها وتقييمها، من تأليف: ف. لانكستر وش بيكر، الجزيرة العربية حديقة الرسامين، لتييري موجيه، الرياض: المدينة القديمة من تأليف وليم فيسي، مسارات الرحلة والترجمة في زمن العولمة لجيمس كليفورد، والإسلام: مستقبل السلفية بين الثورة والتغريب لشارل سان برو، الطائف: التطور والبنية والمعمار في مدينة عربية ناهضة لهاينز غاوبة، ابن سعود ملك الصحراء من تأليف Yves Besson وكتاب: في شبه الجزيرة العربية المجهولة لـ R.E. Cheesman و" ياباني في مكة" من تأليف: تاكيشي سوزوكي و " الطريق إلى مكة" لمحمد أسد وكتاب:" في شبه الجزيرة العربية المجهولة" من تأليف آر إي تشيزمان، و:" فيلبي الجزيرة العربية" لإليزابيث مونر وكتاب:" شبه الجزيرة العربية في كتابات الرحالة الغربيين في مائة عام" لالبرخت زيمة وكتاب:" الحج إلى مكة" للمؤلفة الليدي إيفيلين كوبولد وكتاب: المدير غير التقليدي تأليف: لاريس كوليند ويعقوب بوتر، و لو أبصرت ثلاثة أيام لهيلين آدمز كيلر، والأساس الفكري لتنظيم المعلومات لإلين اسفينونيس. وكتاب:" شهور في ديار العرب " من تأليف العلامة مسعود عالم، ومن ترجمة وتعليق الدكتور سمير نوح.
من جانب آخر، حققت جائزة الملك عبدالله بن عبدالعزيز العامة للترجمة حضوراً عالمياً نوعياً، بعد مرور 16 عاماً على إنشائها حيث تم إقرار الجائزة في شهر أكتوبر من عام 2006م، بمقر مكتبة الملك عبدالعزيز العامة بالرياض، حيث تمنح الجائزة سنوياً للأعمال المترجمة من اللغة العربية وإليها، لتعزيز التواصل بين الثقافة العربية والإسلامية والثقافات الأخرى، وإثراء المكتبة العربية باحتياجاتها من مصادر المعرفة التي تدعم خطط وبرامج التنمية والتعريف بالنتاج الثقافي والإبداعي والعلمي العربي على المستوى العالمي.
وعقدت الجائزة دوراتها السابقة في عواصم عالمية بدأت من الرياض ثم الدار البيضاء ثم باريس ثم بكين ثم برلين ثم ساوباولو ثم جنيف ثم طليطلة ثم الرياض، ثم يقام حفل توزيع جوائز الدورة العاشرة بالقاهرة في شهر أكتوبر المقبل.. ومع الدورة العاشرة وصل إجمالي الترشيحات إلى (1500) عمل منذ انطلاق الجائزة، ونحو (41) لغة في كافة مجالات العلوم الإنسانية والتطبيقية، بمشاركة (60) دولة حول العالم، و (475) محكماً، وفاز بالجائزة (123) فائزاً في فروعها الستة.
ويعزز تعدد أمكنة إقامة حفل توزيع الجوائز في مدن عالمية من قيم التفاعل والتواصل بين المترجمين وحركة الترجمة العالمية، كما أن الاحتفاء بجهود الأفراد والمؤسسات يعمل على ترسيخ التواصل بين المنتج البشري في علوم العصر بمختلف أشكالها وأنواعها المعرفية.