
حظيت هواية تربية الصقور باهتمامٍ منذ القدم، وتضاعف عدد محبيها، وتطورت تقاليدها وآدابها.
وعرف العرب منذ بداية عهودهم الأولى هذه الهواية، فكانوا يعتمدون على الصقور وبعض الجوارح، وأنواعٍ من كلاب الصيد في كسب قوتهم ومعيشتهم.
أنواع الصقور
ويُصنف الصقر من الطيور الجارحة، على أن الصقور تتميّز عن غيرها من الطيور الجارحة بسواد عينيها، وسرعتها التي تفوق 300 كيلو متر في الساعة عند انقضاضها على الفريسة، كما تمتاز بحدة بصرها التي تفوق من 4 إلى 8 أضعاف حدة بصر الإنسان.
وتنقسم الصقور إلى عشرات الفصائل؛ وفقاً لأحجامها وأوزانها وألوان ريشها وسرعتها وقدرتها على الطيران، وتعيش فصائل الصقور المختلفة في مناطق جغرافية ومناخية متعددة من الصحاري شديدة الحرارة حتى المناطق الثلجية شديدة البرودة.
ويقسّم الباحثون الصقور التي يستخدمها العرب إلى تقسيم علمي يُعيد الفصائل المختلفة كافة إلى أربعة أنواع رئيسة، هي: الصقر الحر، وصقر الجير، والشاهين، إضافة إلى الوكري.
الجير والحر والشاهين والوكري
يعد صقر الجير "السنقر" أحد أكبر الصقور في العالم.. وهو يعيش في البيئات الجبلية الشمالية الثلجية والباردة جداً ويسمّى أحياناً الصقر الكندي؛ لأنه استُجلب من كندا وألاسكا إلى جزيرة العرب، ويعد من أسرع الصقور طيراناً وأسرعها انقضاضاً.
أما الصقر الحر، فهو من الصقور المفضلة عند العرب.. ويتكاثر في شرق أوروبا ووسط آسيا، ويهاجر في الشتاء جنوباً عبر الجزيرة العربية إلى إفريقيا. ويسمّى باللغة الإنجليزية Falco Cherrug وSaker، والاسم الأخير مأخوذ من اللفظ العربي "صقر"، كما يُفضل العرب الصقر الحر بسبب تحمّله الأجواء الحارة، علاوة على تفوقه في الصيد، وهو قادر على صيد الطرائد الكبيرة والصغيرة.
ويعدّ "الشاهين" من الصقور المفضلة لدى العرب، وهو أسرع الطيور في العالم، وقد تصل سرعته إلى 320 كلم /ساعة، ويوجد منه ما يقرب من 19 فصيلة.
وتنتشر صقور الشاهين في مناطق واسعة من العالم، وبسبب كثرة تنقله سُمي "الصقر الجوّال" أو Wandering Falcon، ويغلب عليه أن يصطاد طرائده وهو محلق في الجو.
وصُنف الصقر الشاهين عند العرب إلى نوعيْن "شاهين بحري" و"شاهين جبلي"، ويمتاز البحري بأنه أكبر أنواع الشواهين، ذو لون فاتح يهاجر إلى الجزيرة العربية من أماكن تكاثره، أما الجبلي فيميل للون الغامق ويستوطن ويتكاثر في جبال الجزيرة العربية.
أما صقر الوكري، فهو من الصقور المتوسطة في كفاءة الصيد رغم شدة تحمُّله للجوع والمرض، ويكثر هذا الصقر في إفريقيا وجنوب آسيا.. وهو من الصقور ليِّنة الطباع، ومن اليسير توجيهه وتدريبه.
أفراخ الصقور
وتفرّخ الصقور بأنواعها "الشاهين والحر والوكري والجير" مرة واحدة في العام، وفي كل مرة تفرّخ من 2 - 5 صقور سمّاها العرب قديماً: النادر وهو "أقواها وأكبرها حجماً"، الوسط "وهو أقل حجماً من النادر"، والمحقور وهو "أصغرها وأقلها قوة"، وهناك من يسمّي الفرخ الأول بالوافي أو الكامل، والثاني مثلوث، والثالث ويكون الأصغر حجماً التبع.
وتحتضن الأم فراخها لما يقارب 32 يوماً داخل العش "الماكر"، فيما يجلب الذكر الطعام لها، ويكتمل ريش الفرخ بعد 60 يوماً تقريباً من تفقيس البيض للطيران والتحليق بأجنحته في السماء، وعندها يرفض الأبوان إطعام الفراخ؛ يحلقان في الأعلى ويقذفان بالطعام في الهواء، ومن ثم تطير الفراخ مسرعة لالتقاطه قبل سقوطه إلى الأرض.
وتهاجر الطيور الجارحة سنوياً من مناطق التعشيش في أماكن متفرقة مثل أقصى الجزء الشمالي من روسيا (سيبيريا) إلى المناطق الأكثر دفئاً في إفريقيا، قاطعة مسافة تقدر بأكثر من ثمانية آلاف كيلومتر، ويعبر منها ما يقارب (مليوناً ونصف المليون طائر) سنوياً أجواء المملكة خلال شهر أكتوبر من كل عام بما في ذلك "الصقور" بنوعيها: الشاهين البحري، والحر، بينما تعيش في المملكة صقور مستوطنة، مثل: الشاهين الجبلي، والوكري؛ التي تعد مهدّدة بالانقراض محلياً.
مراحل تدريب الصقور
الصقر من الطيور التي ليس من السهل تدريبها وترويضها، وخلال السطور التالية سنتعرّف على كيفية تدريب الصقور خطوة خطوة، حتى تصبح قادرةً على التكيف مع مختلف ظروف الصيد، حيث تختلف طرق التدريب من صقر لآخر؛ ولكن بصفة عامة يتم تدريب الصقر وفق الخطوات التالية:
فيما يخص اطمئنان الصقر (التدهيل)، يتم ذلك من خلال تغطية عيونه بما يسمّى البرقع أو القيام بتخييطها لعدة أيام ليهدأ من هيجانه وثورته، بعدها تُفتح عيناه، وتتم معاملته برفق حتى يتعوّد على الأشخاص ممّن حوله، ويتم رش الماء البارد إذا قام بضرب جناحيه بقوة ليهدأ.
وتتم تسمية الصقر باسم معين، يُنادى به وهو مربوط، وخاصة عند تقديم الطعام إليه، ويصاحبه رابط شرطي كصوت جرس، حتى يعتاد تحضير نفسه عندما يدق الجرس، وتتكرّر دعوته باسمه ليأتي إلى حمامة ليأكلها كمكافأة على استجابته، وتكرّر في اليوم التالي بقيام المدرب بالصياح عليه باسمه ليأكل، وتستمر مدة التدريب خمسة أو عشرة أيام.
وتأتي خطوة تسمّى "التنكيس" أو "التلواح"، وذلك بعد اطمئنان الصقر "التدهيل"، وتطبّق في مكان واسع يُستحسن في الخلاء حيث يأخذ الصقر وصاحبه راحتيهما لملاءمة الجو وقربه من المناخ الطبيعي للصيد، ويجب أن يربط "سبوق" الصقر بحبل محبوك يسميه هواة الصقور "سبب" ويراوح طول هذا الحبل بين 10 و20 متراً؛ بشرط أن يكون مربوطاً بشيءٍ ثقيل يصعب على الصقر الطيران به بعيداً، ثم يقف شخصان يبعدان عن بعضهما مسافة معينة يكفى الحبل وصول الصقر لكليهما، ويمسك كل واحد منهما قطعة من اللحم، فيأخذ أحدهما من برقع الصقر ويبدأ الشخص البعيد بدعاء الصقر بصوت مرتفع بالعبارات نفسها التي يستخدمها صاحبه في أثناء الإطعام، وسيطير الصقر عند سماعه هذه العبارات ورؤيته قطعة اللحم، متجهاً إلى الشخص الذي يناديه، ويعطيه قليلاً من اللحم ثم يخفيه.
وفي هذه الأثناء يبدأ الشخص الآخر بدعائه بالعبارات نفسها؛ ما يجعل الصقر يعود إليه ويأكل قليلاً من اللحم، وتستمر هذه الطريقة مرات عدة لحين الوثوق من أن الصقر قد اطمأن إلى أصحابه، ومن علامات الاطمئنان الاستقرار على يد "الصقار" دون تحريك الجناحين بقوة "الكفاخ"، وكذلك الأكل دون النظر لعين "الصقار"، تستمر هذه العملية مدة أسبوع كامل.
وبعد تعويده على هذه العملية، يبتعد صاحب الصقر عنه في كل يوم يكرّر فيه هذه العملية بـ 50 خطوة حتى يتعوّد الصقر على تحديد هدف صاحبه، ويعد الصقر قد أكمل مرحلة التدريب عندما يصبح قادراً على الانقضاض على "التلواح" على بُعد 500 خطوة من صاحبه.
حتى يتم الاطمئنان إلى أن الصقر وثق بصاحبه يستغني عن "السبب" ويطلق الصقر بعدها بالطريقة نفسها دون "سبب"، ثم يبدأ صاحب الصقر باختبار سرعة صقره، وقدرته على المناورة واللحاق بالفريسة، وذلك بإطلاق حمامة في الجو وإطلاق الصقر عليها واللحاق بها واصطيادها.
وطيلة مدة ترويض الصقر، يجب على صاحبه أن يحافظ على قوة طائره بتغذيته بشكل منتظم، للحفاظ على صحته، مع الانتباه إلى الحفاظ على عدوانية الطائر كي يكون قادراً على تتبع فريسته.
وفي طلعات الصيد، يجب أن يبقى الصقر جائعاً حتى يصيد الفريسة، فيكون له دافع قوي للهجوم والانقضاض على فريسته، وتقدم له في الأخير كي يشبع نفسه منها.
وفيما يتعلق بمرحلة التعليم، فتتضمن تدريب الصقر على عملية القنص (اصطياد الفريسة)، وغالباً طائر الحبارى هو الفريسة المفضلة للصقر، وتتم هذه العملية بهد الصقر (إطلاقه) على حبارى مكسورة الجناح، يتعلم على اصطيادها، وهذه الخطوة هي مؤشر على إمكانية القنص بالصقر من عدمه.
أما مرحلة الهدد؛ فهي الخطوة التي ينتظرها هواة الصقور بكل شوق وشغف، فهي نتاج الخطوات السابقة.. ويكون لها وقت محدّد خلال العام، تبدأ من شهر نوفمبر حتى بداية شهر مارس، حيث يبحث هواة القنص عن الأماكن التي يكثر فيها العشب والماء، منتظرين بداية هجرة طائر الحبارى من الشرق إلى الغرب حيث الدفء، وتبدأ الحبارى هجرتها في منتصف شهر أكتوبر وتمر بالمناطق الشمالية للمملكة.
ويكون القناصون على أهبة الاستعداد في هذه المرحلة، حيث تجهّز الصقور بشكل جيد بعد فترة التدريب القاسية، وفي "المقناص" يهيئ الصقر حيث لا يُعطى الوجبة الكاملة؛ بل قطع قليلة من اللحم لسد جوعه فقط، وتُعطى له في آخر النهار مع مغيب الشمس، حيث تعد فترتا الصباح الباكر والعصر أفضل فترات "الهدد" و"القنص"، وهما الفترتان الطبيعيتان لوقت صيد الصقر لفريسته.