قبسات بلاغية.. "المتشابه اللفظي" في شواهد من القرآن الكريم

في حلقة "سبق" الرمضانية "15" مع دكتور البلاغة "زيد الخريصي"
قبسات بلاغية.. "المتشابه اللفظي" في شواهد من القرآن الكريم

معرفة المذكر والمؤنث أصلٌ من أصول العربية، لذا خصص النحاة موضوعات تُميز بينهما، منها: جمع المذكر السالم، جمع المؤنث السالم، تأنيث الفعل، الفرق بين تاء التأنيث وتاء الفاعل، وهكذا دواليك.

وخصّصت "سبق"، في الحلقة الرمضانية "الخامسة عشرة" من "قبسات بلاغية"؛ الحديث عن بعض من بلاغة المتشابه اللفظي في القرآن الكريم "الجزء الثالث"، وتستضيف فيها وبشكلٍ يوميٍ طوال شهر رمضان المبارك، دكتور البلاغة والنقد "زيد بن فرج الخريصي".

في البداية يقول "الخريصي": من الأمور المهمة التي بنيت عليها العربية معرفة (المذكر والمؤنث) في الكلام، وعلى ضوء هذه الأهمية جاءت عناية البلاغيين؛ في خروج الكلام على خلاف مقتضى الظاهر بين هاتين الثنائيتين (المذكر والمؤنث) في الاسم الظاهر والضمائر، وعلى رأس عنايتهم ما جاء في آي الذكر الحكيم؛ لأنه المنطلق والأساس لما في العربية.

الاسم الظاهر

أضاف "المختص في البلاغة والنقد": ومن شواهد التذكير والتأنيث في الاسم الظاهر، ما جاء في قول الله تعالى: {... وَآتُوهُنَّ أُجُورَهُنَّ بِالْمَعْرُوفِ مُحْصَنَاتٍ غَيْرَ مُسَافِحَاتٍ...} "النساء:25"، وقول الله تعالى: {... إِذَا آتَيْتُمُوهُنَّ أُجُورَهُنَّ مُحْصِنِينَ غَيْرَ مُسَافِحِينَ...}"المائدة:5"، حيث جاء الوصف للمؤنث، في قوله تعالى: {... مُحْصَنَاتٍ غَيْرَ مُسَافِحَاتٍ...}، وجاء الوصف للمذكر، في قوله تعالى: {... مُحْصِنِينَ غَيْرَ مُسَافِحِينَ...}، والسر في التعبير مرة بالمؤنث، ومرة بالمذكر، يقول ابن جماعة: "إن آية النساء في نكاح الإماء، وكان كثير منهن مسافحات، فناسب جمع المؤنث بالإحصان، وآية المائدة في من يحل للرجال من النساء، فناسب وصف الرجال بالإحصان، ولأنه تقدم ذكر النساء بالإحصان، فذكر إحصان الرجال -أيضاً- تسوية بينهما؛ لأنه مطلوب فيهما".

آيات وشواهد

قال "الخريصي": ومن الشواهد ما جاء في قول الله تعالى: {وَأَمَّا الَّذِينَ فَسَقُوا فَمَأْوَاهُمُ النَّارُ ۖ كُلَّمَا أَرَادُوا أَن يَخْرُجُوا مِنْهَا أُعِيدُوا فِيهَا وَقِيلَ لَهُمْ ذُوقُوا عَذَابَ النَّارِ الَّذِي كُنتُم بِهِ تُكَذِّبُونَ} "السجدة:20"، وقول الله تعالى: {فَالْيَوْمَ لَا يَمْلِكُ بَعْضُكُمْ لِبَعْضٍ نَّفْعاً وَلَا ضَراً وَنَقُولُ لِلَّذِينَ ظَلَمُوا ذُوقُوا عَذَابَ النَّارِ الَّتِي كُنتُم بِهَا تُكَذِّبُونَ} "سبأ:42"، في الآية الأولى جاء الاسم الموصول المذكر "الذي"، وفي الآية الأخرى جاء الاسم الموصول المؤنث "التي"، على الرغم من تشابه الخاتمتين، فما السّر في ذلك؟ يقول الأستاذ الدكتور/فاضل السامرائي: "الخطاب في -سورة السجدة- موجّه للفاسقين و(الذي) يشير إلى العذاب نفسه، أما في سورة سبأ فالخطاب في هذه السورة موجّه إلى الكافرين، و(التي) مقصود بها النار نفسها؛ فالفاسق يمكن أن يكون مؤمناً ويمكن أن يكون كافراً، فهو لا يُكذّب بالنار إنما يُكذّب بالعذاب، أما الكافرون فهم يُكذّبون بالنار أصلاً، ولا ينكرون العذاب فقط، وإنما يُنكرون النار أصلاً".

الضمائر

وأوضح "الخريصي"، أن: ومن الشواهد على التذكير والتأنيث في (الضمائر)، ما جاء في قول الله تعالى: {... أَنِّي أَخْلُقُ لَكُم مِّنَ الطِّينِ كَهَيْئَةِ الطَّيْرِ فَأَنفُخُ فِيهِ فَيَكُونُ طَيْراً بِإِذْنِ اللَّه...} "آل عمران:49"، وقول الله تعالى: {...إِذْ تَخْلُقُ مِنَ الطِّينِ كَهَيْئَةِ الطَّيْرِ بِإِذْنِي فَتَنفُخُ فِيهَا فَتَكُونُ طَيْراً بِإِذْنِ...}، حيث عاد الضمير على مذكر في الآية الأولى، وعلى مؤنث في الآية الأخرى، فما السر في ذلك، يقول ابن جماعة: " أن آية آل عمران من كلام المسيح -عليه السلام- في ابتداء تحديه بالمعجزة المذكورة، ولم تكن صورة بعد فحسن التذكير والإفراد، وآية المائدة من كلام الله -تعالى- له يوم القيامة، معدداً نعمه عليه بعد ما مضت، وكان قد اتفق ذلك منه مرات، فحسن التأنيث لجماعة ما صوره من ذلك ونفخ فيه".

أخبار قد تعجبك

No stories found.
صحيفة سبق الالكترونية
sabq.org